كان استعجال العذاب استهزاًء منهم وتكذيبًا، والنضر بن الحارث هو الذي قال: اللهم أمطر علينا حجارةً من السماء، كما قال أصحاب الأيكة:(فأسقط علينا كسفا من السماء)] الشعراء: ١٨٧ [. (وَلَوْلا أَجَلٌ) قد سماه الله وبينه في اللوح لعذابهم، وأوجبت الحكمة تأخيره إلى ذلك الأجل المسمى (لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) عاجلًا. والمراد بالأجل: الآخرة، لما روى أنّ الله تعالى وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يعذب قومه ولا يستأصلهم، وأن يؤخر عذابهم إلى يوم القيامة. وقيل: يوم بدر. وقيل: وقت فنائهم بآجالهم، (لَمُحِيطَةٌ) أى: ستحيط بهم (يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ) أو هي محيطة بهم في الدنيا،
فإنْ قلتَ: كيف الجمعُ بين هذا وبينَ قولِه تعالى: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ}[البقرة: ٢٣]؟ لا تَسْتَشْهِدُوا بالله، ولا تقولوا: اللهُ يَشهدُ أنَّ ما نَدَّعِيه حقٌّ، كما يقولُه العاجِزُ عن إقامة البَيِّنةِ.
قلت: المراد بالشَّهيد في هذه الآية: إظهارُ المُعجزةِ القاهرة على يَدِه، وإنزالُ هذا الكتاب الذي لا يزال معه آيةً ثابتةً في كلِّ مكانٍ وكلِّ زمانٍ يَشهدُ بذِلك الآيةُ السابقةُ.
قوله:({لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ} عاجلاً) يدلُّ على هذا المقدَّر قولُه: {وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى}، وقولُه:{وَلَيَاتِيَنَّهُم بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} عطفٌ تفسيريٌّ على {لَّجَاءَهُمُ الْعَذَابُ}؛ نحو: أَعجَبَني زيدٌ وكرمُه.
قوله:(أي: سَتُحيطُ بهم) أي: أصلُ الكلامِ هذا، ولكن جيءَ بالجملة الاسميَّةِ مؤكَّدةً باللاّم، و ((إنَّ)) لِيُؤذنَ بأنَّ إخبارَ الله عن الكائنِ واقعٌ البَتَّةَ، لِصِدْق وَعْدِه ووَعيدِه؛ نحو قولِه تعالى:{إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا}[الفتح: ١]، وعلى هذا:{يَوْمَ يَغْشَاهُمُ} منصوبٌ بـ ((مُحِيطةٌ)).
قوله:(أو هي مُحِيطةٌ بهم في الدُّنيا) تُنزَّلُ إحاطةُ أسبابِ العذابِ بهم منَ الكُفر والمعاصي