بِالْغَيْبِ) رمياً بالخبر الخفي وإتياناً به كقوله:(وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ)[سبأ: ٥٣]، أي يأتون به. أو وضع الرجم موضع الظنّ، فكأنه قيل: ظنا بالغيب، لأنهم أكثروا
والاستقبال، والسينُ قرينةٌ مخصصةٌ له، تخصص الأول به، والآخران مخصصهما صلاحيتهما له بواسطة قرينة المقام.
قوله:(كقوله: (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ)[سبأ: ٥٣]، أي هو استعارة مثله. قال صاحب "الفرائد": معنى (رَجْماً بِالْغَيْبِ) رميٌ بالغائب عن علمه عن الذهن، وهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، شبه إخراج الكلام عن الذهن بإخراج السهم عن القوس، ويدل عليه قوله: رجم بالظن، مكان قولهم: ظن، والمراد بالظن هاهنا المظنون، كأنهم قالوا: رمى عن ذهنه بما كان غائباً عن علمه حاضراً في ذهنه، تكلم بما ليس بمعلوم.
وقلت: بل شبه إيراد الكلام- الذي لم يخرج عن طمأنينة قلب، بلعن قلق واضطراب؛ لأن معرفة علم الغيب مختصة بالله - بقذف الحجر الذي يقذفه القاذف، فإن الحجر قلما يُصيب الغرض إصابة السهم المستوي، ولهذا قيل:(رَجْماً)، ولم يُقل: رمياً بالغيب، ثم استعير لجانب المشبه لفظ الرجم، فهو استعارةٌ مصرة بحقيقته؛ لأن المشبه المتروك عقلي؛ وإنما يصح تشبهي قوله:(رَجْماً بِالْغَيْبِ) بقوله: (وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ) إذا اجتمعا في معنى القذف لا الرمي.
الراغب: الرجامُ: الحجارة، والرجم: الرمي بها، ويستعارُ الرجم للرمي بالظن والتوهم، نحو:(رَجْماً بِالْغَيْبِ)، وللشتم والطرد، نحو:(لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيّاً)[مريم: ٤٦]، أي: لأقولن فيك ما تكره، والشيطان رجيمٌ، مطرودٌ عن الخيرات، وعن منازل الملأ الأعلى، وقال في الشهب:(رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ)[الملك: ٥]، والمراجمة: المسابة الشديدة: استعارة، كالمقاذفة.
قوله: (أو وُضع "الرجمُ" موضع "الظن")، أي: صُيرَ حقيقة عرفية بعد الاستعارة، فاستعمل حقيقة فيه، كالألفاظ المترادفة.