للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(لَطِيفٌ لِما يَشاءُ) لطيف التدبير لأجله، رفيق حتى يجيء على وجه الحكمة والصواب. وروي: أن يوسف أخذ بيد يعقوب فطاف به في خزائنه، فأدخله خزائن الورق والذهب، وخزائن الحلىّ، وخزائن الثياب، وخزائن السلاح وغير ذلك، فلما أدخله خزانة القراطيس قال: يا بنيّ، ما أعقك! عندك هذه القراطيس وما كتبت إليّ على ثمان مراحل؟ قال: أمرني جبريل. قال أو ما تسأله؟ قال: أنت أبسط إليه مني فسله. قال جبريل عليه السلام: الله تعالى أمرني بذلك لقولك (وَأَخافُ أَنْ يَاكُلَهُ الذِّئْبُ)، قال: فهلا خفتني؟

وروي أن يعقوب أقام معه أربعاً وعشرين سنة ثم مات. وأوصى أن يدفنه بالشام إلى جنب أبيه إسحاق. فمضى بنفسه ودفنه ثمة، ثم عاد إلى مصر، وعاش بعد أبيه ثلاثاً وعشرين سنة، فلما تم أمره وعلم أنه لا يدوم له، طلبت نفسه الملك الدائم الخالد، فتاقت نفسه إليه فتمنى الموت. وقيل: ما تمناه نبي قبله ولا بعده، فتوفاه الله طيباً طاهراً، فتخاصم أهل مصر وتشاحوا في دفنه؛ كل يحب أن يدفن في محلتهم حتى هموا بالقتال، فرأوا من الرأي: أن عملوا له صندوقاً من مرمرٍ وجعلوه فيه، ودفنوه في النيل بمكان يمرّ عليه الماء ثم يصل إلى مصر ليكونوا كلهم فيه شرعًا واحداً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (لطيف التدبير لأجله)، أي: لأجل ما يشاء، يريد: أن قوله: (لِمَا يَشَاءُ) مطلق، لكن قيد لقرنية المقام به، أي: لطيف التدبير في جميع الأشياء حيث دبر أمري كذلك، قال السجاوندي: ذكر الخروج من السجن دون الدخول لئلا يكون شكاية عن الله تعالى، ولم يذكر الجب لئلا يستحيي إخوته.

قوله: (فتاقت)، اشتاقت.

قوله: (وتشاحوا): يقال: تشاح الرجلان على الأمر: لا يريدان أن يفوتهما.

قوله: (شرعاً واحداً)، الجوهري: "الناس في هذا الأمر شرع؛ أي: سواء، يحرك ويسكن، يستوي فيه الواحد والجمع، والمذكر والمؤنث".

<<  <  ج: ص:  >  >>