للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حين كلمهم بذلك ما شعروا به أنه هو، مع علمهم بأنّ ما خاطبهم به لا يصدر مثله إلا عن حنيف مسلم من سنخ إبراهيم، لا عن بعض أعزاء مصر. وقيل: تبسم عند ذلك فعرفوه بثناياه وكانت كاللؤلؤ المنظوم. وقيل: ما عرفوه حتى رفع التاج عن رأسه فنظروا إلى علامة بقرنه كانت ليعقوب وسارة مثلها، تشبه الشامة البيضاء.

فإن قلت: قد سألوه عن نفسه فلم أجابهم عنها وعن أخيه؟ على أن أخاه كان معلوماً لهم. قلت: لأنه كان في ذكر أخيه بيان لما سألوه عنه.

(مَنْ يَتَّقِ) من يخف الله وعقابه (وَيَصْبِرْ) عن المعاصي وعلى الطاعات (فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ) أجرهم، فوضع المحسنين موضع الضمير لاشتماله على المتقين والصابرين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوله: (من سنح إبراهيم)، أي: أصله.

قوله: (لأنه كان في ذكر أخيه)، بيان لما سألوه عنه، فإنهم سألوه عن حقيقة كونه يوسف؛ حيث أتوا بالهمزة المقررة المؤكدة للتعجب، وأدخلوا اللام في الخبر، فأجاب بقوله: (أَنَا يُوسُفُ) على الحقيقة، وهذا المتميز الشاهد من أبي وأمي.

وفي ذكر الأخ وإيراد اسم الإشارة: مزيد تقرير وفضل تمييز له، وبيان أنه يوسف لا محالة.

وكان من حق الظاهر أن يقول: بلى، أو: أنا هو، فعدل ليطابق تعجبهم واستبعادهم في قولهم: أأنت يوسف، ويمكن أن يجري على الأسلوب الحكيم، وهو أنهم لما سألوه متعجبين: أأنت يوسف؟ أجاب: لا تسألوا عن ذلك، فإنه ظاهر، ولكن اسألوا ما فعل الله بك من الامتنان والإعزاز بما صبرت على بلاء الله، وثبت على تقوى الله، وكذلك أخي.

قوله: ((مَن يَتَّقِ) من يخف الله وعقابه، (وَيَصْبِرْ) عن المعاصي وعلى الطاعات)، قال صاحب "الفرائد": حمل (مَن يَتَّقِ) على المجاز، ولا مانع من الحمل على الحقيقة، والعدول منه إلى المجاز بغير ضرورة غير جائز، فالوجه أن يقال: (مَن يَتَّقِ) من احترز عن ترك ما أمر به، وعن ارتكاب ما نهي عنه، وصبر في المكاره، وذلك باختياره، وهذا بغير

<<  <  ج: ص:  >  >>