قرأ طلحة:" وما استغفر إبراهيم لأبيه"، وعنه:"وما يستغفر إبراهيم"، على حكاية الحال الماضية، (إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاه) ُ أي: وعدها إبراهيم أباه، وهو قوله (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ)(الممتحنة: ٤)، ويدل عليه قراءة الحسن وحماد الرواية:"وعدها أباه".
فإن قلت: كيف خفي على إبراهيم أن الاستغفار للكافر غير جائز حتى وعده؟ قلت: يجوز أن يظن أنه ما دام يرجى منه الإيمان، جاز الاستغفار له، على أن امتناع جواز الاستغفار للكافر إنما علم بالوحي، لأن العقل يجوّز أن يغفر الله للكافر، ألا ترى إلى قوله عليه السلام لعمه:"لأستغفرنّ لك ما لم أنه"، وعن الحسن: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً يستغفر لآبائه المشركين، فقال:"ونحن نستغفر لهم"، فنزلت. وعن على رضي الله عنه: رأيت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت له، فقال: أليس قد استغفر إبراهيم؟
للعلم بأنه صلوات الله عليه وُلد وأبوه لم يكن حياً، قال ابن الجوزي في كتاب "الوفا": "وُلد عبد الله لأربع وعشرين سنة مضت من مُلك كسرى، ثم تزوجت به آمنة، فلما حملت برسول الله صلى الله عليه وسلم تُوفي، وقد قيل: إن عبد الله توفي بعد ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح ذلك. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمه آمنة، فلما بلغ ست سنين خرجت إلى أخوالها بني عدي بن النجار بالمدينة تزورهم، ثم رجعت به إلى مكة، فلما كانوا بالأبواء توفيت أمه، فقرها هناك".
قوله:(وعن علي رضي الله عنه: رأيت رجلاً يستغفر لأبويه) الحديث: رواه الترمذي والنسائي، وفي آخره:"فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية".