خلاف من يقاتل على بصيرة، ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله.
وعن ابن جريج: كان عليهم أن لا يفروا ويثبت الواحد منهم للعشرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث حمزة رضي الله عنه في ثلاثين راكباً، فلقي أبا جهل في ثلاثمائة راكب. قيل: ثم ثقل عليهم ذلك وضجوا منه، وذلك بعد مدّة طويلة، فنسخ وخفف عنهم بمقاومة الواحد الاثنين.
وقيل: كان فيهم قلة في الابتداء، ثم لما كثروا بعد نزل التخفيف.
قوله:(وقيل: كان فيهم قلة في الابتداء): فإن قلت: كيف يستقيم هذا مع قوله: (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً)، فإن التحويل من القلة إلى الكثرة يزيد القوة لا الضعف؟
قلتُ: لما كان موجب القوة اعتمادهم على الله وتوكلهم عليه، لا على الكثرة، ما في بدر وغيره، أوجب أن يُقاوم واحد منهم عشرة، ولهذا يعلل الأمر بما يقابل قوله:(بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ)، وإليه الإشارة بقوله:"خلاف من يقاتل على بصيرة، ومعه ما يستوجب به النصر والإظهار من الله"، ثم لما كثروا واعتمدوا عليها بعض الاعتماد، كما في حُنين، خفف الله عنهم بعض ذلك. وقال الإمام:"الكفار إنما يعولون على قوتهم وشوكتهم، والمسلمون يستعينون بالدعاء والتضرع، ومن كان كذلك كان النصر والظفر به أليق".
فإن قلت: فما معنى عطف قوله: (وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً) على قوله: (خَفَّفَ اللَّهُ)؟ قلت: معناه: الآن خفف الله عنكم لما هر متعلق علمه تعالى، أي: كثرتكم التي هي موجب ضعفكم بعد ظهور قلتكم وقوتكم.
روى السلمي عن النصرابادي: هذا التخفيف كان للأمة دون الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لا