العقاب في كل وقت على صغائركم، ونجعلها كأن لم تكن؛ لزيادة الثواب المستحق على اجتنابكم الكبائر وصبركم عنها، على عقاب السيئات، والكبيرة والصغيرة إنما وصفتا بالكبر والصغر بإضافتهما: إما إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما.
قوله:(على صغائركم) يتعلق بقوله: "من العقاب"، و"لزيادة الثواب" بقوله: "نمط"، و"على عقاب" بقوله: "لزيادة الثواب". المعنى: إن تجتنبوا الكبائر نمط من صغائركم بسبب زيادة الثواب الذي حصل لكم من اجتناب الكبائر على عقاب الصغائر، وهذا على القول بالموازنة على مذهبه، وهو أن العبد يستحق بسبب الطاعة الثواب، وبسبب المعصية العقاب، وتحصل بينهما الموازنة؛ فاستحقاق العقاب يحط بقدره من استحقاق الثواب، وبالعكس؛ فإن تساوى الاستحقاقان تساقطاً، وإن زاد أحدهما على الآخر بقي من الزائد شيء بعد الموازنة.
قوله:(بإضافتهما: إما إلى طاعة أو معصية أو ثواب فاعلهما) أي: الكبيرة والصغيرة أمران نسبيان؛ فلابد من أمر آخر يقاس عليه، وهو أحد هذه الأمور الثلاثة، أما الطاعة: فهي إذا كان العذاب المستحق بسببها أزيد من الثواب المستحق بسبب طاعة فعلها فهي كبيرة، وإلا فصغيرة؛ فكل ما يكفر بمثل الصلاة فهو من الصغائر، يدل عليه حديث أبي اليسر، روى الترمذي عنه أنه قال: أتتني امرأة تبتاع تمراً، فقلت: إن في البيت تمراً أطيب منه، فدخلت معي البيت فأهويتها فقبلتها .. إلى قوله: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فقال:"أخلفت غازياً في سبيل الله بمثل هذا؟ " حتى تمنى أنه لم يكن أسلم إلا تلك الساعة، وحتى ظن أنه من أهل النار، قال: وأطرق رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً حتى أوحى الله إليه: (وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ)[هود: ١١٤]، قال أبو اليسر: فأتيته فقرأ علي، فقال أصحابه: ألهذا خاصة أول لناس عامة؟ فقال:"بل للناس عامة". وما في قوله صلى الله عليه وسلم:"ما من مسلم تحضره صلاة مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كان كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة، وذلك الدهر كله". أخرجه الشيخان عن