وقيل: إنهم قومٌ تخلَّفوا عن الغَزْو مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فلما قَفَلَ اعتَذَرُوا إليه بأنّهم رأَوُا المصلحةَ في التخلُّف، واستَحْمَدوا إليه بتَرْكِ الخُروج. وقيل: هم المنافقون يَفْرَحون بما أتَوا مِنْ إظهارِ الإيمانِ للمسلمين ومُنافقتهم وتوصُّلهم بذلك إلى أغراضِهم، ويَستحمِدون إليهم بالإيمانِ الذي لم يَفْعَلوه على الحقيقة؛ لإبطانِهم الكُفر. ويجوزُ أن يكون شاملًا لكلِّ مَن يأتي بحَسَنةٍ فيفرحُ بها فرَحَ إعجابٍ، ويُحبُّ أن يحمدَه الناسُ ويُثنوا عليه بالديانةِ والزهدِ وبما ليس فيه.
قوله:(ويجوز أن يكون شاملاً لكل من يأتي بحسنة فيفرح بها فرح إعجاب)، يعني: إن فرح أنه موفق من الله فلا بأس به، روينا عن مسلم، عن أبي ذر قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال:"تلك عاجل بشرى المؤمنين". وعن البخاري ومسلم والترمذي، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ منا فرح بما أتى وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً لنعذبن أجمعون، فقال ابن عباس: ما لكم ولهذه الآية؟ إنما نزلت في أهل الكتاب، ثم تلا ابن عباس:(وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) الآية وتلا ابن عباس: (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا) الآية، وقال ابن عباس: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم وفرحوا بما أتوا من كتمانهم إياه ما سألهم عنه. استحمدوا إليه أي: طلبوا منه أن يحمدهم.
الأساس: استحمد الله على خلقه بإحسانه إليهم وإنعامه عليهم.