للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَاتِيَنا بِقُرْبانٍ تَاكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ) ١٨٣ ـ ١٨٤].

(عَهِدَ إِلَيْنا): أمَرَنا في التوراةِ وأوْصانا بأنْ لا نؤمِنَ لرسولٍ حتى يأتيَنا بهذه الآيةِ الخاصّة؛ وهو أن يُرِيَنا قُربانًا تَنْزِلُ نارٌ من السّماءِ فتأكلُه، كما كانَ أنبياءُ بني إسرائيلَ تلك آيتُهم، كان يُقَّرب بالقُربانِ، فيقومٌ النبيُّ فيدعو، فتنزلُ نارٌ من السماء فتأكلُه، وهذه دعوى باطلةٌ وافتراءٌ على اللَّه؛ لأن أكلَ النار القُربان لم يُوجِبِ الإيمانَ للرسولِ الآتي به إلا لكونِه آيةً ومُعجزة فهو إذنْ وسائرُ الآياتِ سواء فلا يجوزُ أن يعيِّنه اللَّهُ تعالى مِن بين الآيات، وقد ألزَمهم اللَّهُ أنّ أنبياءَهم جاؤوهم بالبيّناتِ الكثيرةِ التي أوجبتْ عليهم التصديق، وجاءوهم أيضًا بهذه الآيةِ التي اقترحُوها فلِمَ قَتَلوهم إنْ كانوا صادقينَ أنّ الإيمانَ يلزمُهم بإتْيانها وقُرئ (بِقُرْبانٍ) بضمَّتَيْن. ونظيرُه السُلُطان. فإن قلتَ: ما معنى قوله (وَبِالَّذِي قُلْتُمْ)؟ قلتُ: معناه، وبمعنى الذي قُلتموه مِن قولكم: قربانٌ تأكلُه النار. ومؤدّاه كقوله: (ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا) [المجادلة: ٣] أي: لمعنى ما قالوا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

لأن الذي دل عليه المعطوف عليه استحقاق التعذيب لكونه تعليلاً لقوله: (ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ)، وهذا كيف يتصور في قوله: (لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ)؟ وأجاب: أن مفهوم الآية دل على أنه عادل، والعدل مستلزم لعقاب المسيء وإثابة المحسن، كأنه قيل: ذلك العذاب بسبب فعلكم وبسبب أن الله عادل لا يترك معاقبة المسيء، فحصلت الجهة الجامعة.

قوله: (وبمعنى الذي قلتموه)، ومعناه: إراءتهم القربان والنار النازلة من السماء آكلة له، كأنه قيل: جاءتكم رسله بالبينات، وبهذه البينة خاصة، فهو من عطف الخاص على العام.

<<  <  ج: ص:  >  >>