للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهلّا قيل: ولقد كَتَبْنا؟ قلتُ: ذَكَرَ وُجودَ السَّماع أوّلًا مؤكَّداً بالقَسَم ثم قال: (سَنَكْتُبُ) على جهةِ الوَعيد، بمعنى: لنْ يفوتَنا أبداً إثباتُه وتَدْوينُه كما لن يفوتَنا قتلُهم الأنبياءَ. وجَعَلَ قَتْلَهم الأنبياءَ قرينةً له إيذانًا بأنّهما في العِظَم أخَوان، وبأنّ هذا ليس بأوّلِ ما رَكِبوه من العَظائم، وأنهم أُصلاءُ في الكفر ولهم فيه سوابقُ، وأنّ مَن قَتَلَ الأنبياءَ لم يُستبعَدْ منه الاجتراءُ على مثلِ هذا القول.

ورُويَ: أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كَتَبَ مع أبى بكرٍ رضي اللَّه عنه إلى يهود بني قينُقاع يَدْعُوهم إلى الإسلام وإلى إقامِ الصلاةِ وإيتاءِ الزكاة، وأن يُقرِضُوا اللَّه قَرضاً حسناً، فقال فِنْحاصُ اليهوديُّ: إنّ اللَّه فقيرٌ حينَ سَأَلَنا القَرْض فلَطَمَه أبو بكرٍ في وجْهه، وقال: لولا الذي بَيْنَنا وبَيْنَكم مِنَ العَهْدِ لَضَربْتُ عُنُقَك فشَكاه إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وجَحَدَ ما قاله؛ فنَزَلتْ. ونحوُه قولُهم (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) [المائدة: ٦٤]. (وَنَقُولُ ذُوقُوا): وننتقِمُ منهم بأن نقولَ لهم يومَ القيامة: (ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وفي كلامه إيذان بأن المعطوف يكتسب من المعطوف عليه معناه بحسب اقتضاء المقام، وهو قوله: "لن يفوتنا أبداً إثباته وتدوينه، كما لن يفوتنا قتلهم الأنبياء"، وأن المعطوف عليه أيضاً يكتسب من المعطوف معناه، وهو المراد بقوله: "بأن هذا ليس بأول ما ركبوه من العظائم" إلى آخره، وفي (سَنَكْتُبُ) التفات من الغيبة إلى التكلم، ووضع لضمير الجماعة مكان الواحد للتعظيم والتفخيم.

قوله: (وننتقم منهم بأن نقول لهم يوم القيامة: (ذُوقُوا)) أي: ونقول: عطف على (سَنَكْتُبُ)، والباء في "بأن نقول"، كالباء في كتبت بالقلم، أي: ننتقم منهم بواسطة هذا القول، ولن يوجد هذا القول إلا وقد وجد العذاب وألمه، فالكلام فيه كناية، والمعنى: لن يفوتنا أبداً إثباته وتدوينه وننتقم منهم لأجل هذا القول وذلك القتل بأن نعذبهم يوم القيامة بالعذاب الحريق، ونقول بعد التعذيب: (ذُوقُوا).

<<  <  ج: ص:  >  >>