ولقائل أن يقول: الحمل على العموم أولى؛ لتتوافق ألفاظ هذه السورة الكريمة في المعنى المطلوب منها كما كرر، ولأن التوسل بالعبادة إلى تحصيل مرام يستوعب جميع ما يصح أن يستعان فيه ليدخل فيه التوفيق أيضاً دخولاً أولياً أولى من طلب مجرد التوفيق. ويلائمه أيضاً قوله:(اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)[الفاتحة: ٦]؛ لأن صراط المسلمين أعم من العبادات؛ إما دنيا: فالعبادات والاعتقادات وعلم الأخلاق والسياسات والمعاملات والمناكحات وغير ذلك، وإما عقبى: فالنجاة من شدائد البرزخ والحشر والصراط والميزان ومن عذاب النار والوصول إلى دار القرار، والفوز بالدرجات العلى. وكل ذلك مفتقر إلى إعانة الله وفضله. وفي قوله تعالى:(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ)[الأنعام: ١٥٣] بعد قوله: (أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً .. )[الأنعام: ١٥١] الآيات إيماء إلى هذا المعنى. وأيضاً، طرق الضلالات التي يستعاذ منها بقوله:(غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)[الفاتحة: ٧] لا نهاية لها، وباستعانته يتخلص من مهالكها.
فإن قلت: المراد بالعبادة في قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) هي وما يتعلق بها وما تتوقف عليه؟ قلت: فإذن وافقت الاستعانة في العموم. وأيضاً قوله:(أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) مطلق كما قال: "أطلق ليشمل كل إنعام" قال القاضي: والضمير المستكن في الفعلين للقارئ ولسائر الموحدين. أدرج عبادته في تضاعيف عبادتهم، وخلط حاجته بحاجتهم لعلها تقبل ببركتها ويجاب إليها؛ ولهذا شرعت الجماعة. انظر إلى هذه الاعتبارات الدقيقة في معنى الشمول والعموم لتعثر على تلك الرمزة وهي كونها أم القرآن ومطلع التنزيل.