للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فإن قلت: لم قرنت الاستعانة بالعبادة؟ قلت: ليجمع بين ما يتقرب به العباد إلى ربهم وبين ما يطلبونه ويحتاجون إليه من جهته، فإن قلت

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ويمكن أن يعبر بلسان أهل العرفان ويقال: إن الحمد مبادئ حركة المريد، فإن نفس السالك إذا تزكت، ومرآة قلبه إذا انجلت فلاحت فيها أنوار العناية- والعناية هي التي أوجبت الولاية- تجردت النفس الزكية للطلب، فرأت آثار نعم الله عليها سابغة، وألطافه غير متناهية، فحمدت على ذلك وأخذت في الذكر، فكشف لها الحجاب من ما وراء أستار العزة عن معنى رب العالمين، فشاهدت ما سوى الله على شرف الفناء، مفتقرة إلى المبقي محتاجة إلى التربية؛ فترقت لطلب الخلاص من وحشة الإدبار وظلمة السكون إلى الأغيار. فهبت لها من نفحات جناب القدس نسيمات ألطاف الرحمن الرحيم، فعرجت من هذا المقام بلمعات بوارق الجلال من وراء سجاف الجمال إلى الأحد الصمد، المالك الحقيقي، فنادت بلسان الاضطرار في مقام (لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) [غافر: ١٦]: أسلمت نفسي إليك، وألجأت ظهري إليك. وهناك خاضت لجة الوصول، وانتهت إلى مقام العين فحققت نسبة العبودية فقالت: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) وهنا انتهاء مقام السالك. ألا ترى إلى سيد الخلق كيف عبر عن مقامه هذا بقوله: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) [الإسراء: ١]؟ فطلبت التمكين بقوله: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ* اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، واستعاذت عن التلوين بقوله: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ)، فقصد مستكملاً ورجع مكملاً. وفي كلام صاحب "المفتاح" إيماء إلى هذا المعنى.

قوله: (من جهته)، الضمير راجع إلى "ما يتقرب" يعني أنهم يتقربون بالعبادة، ويطلبون ما هو المحتاج إليه في هذه العبادة، وهو إعانة الله إياهم على العبادة. وهذا التقدير ملائم

<<  <  ج: ص:  >  >>