للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأجري عليه تلك الصفات العظام، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن، حقيق بالثناء، وغاية الخضوع، والاستعانة في المهمات؛ فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات فقيل: إياك يا من هذه صفاته نخص بالعبادة والاستعانة، لا نعبد غيرك، ولا نستعينه، ليكون الخطاب أدل على أن العبادة له لذلك التميز الذي لا تحق العبادة إلا به،

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عليه تلك الصفات العظام على طريقة لزم منها غثبات المطلوب مع التميز التام لتلك الذات، وانضمام استحقاقه لذلك الشكر اللساني بالشكر بالجوارح والقلب خاطبه بقوله: "إياك يا من هذه صفاته نعبد ونستعين"، فترقى من البرهان إلى العيان، ومن مدرج علم اليقين إلى عين اليقين.

قوله: (فقيل: إياك يا من هذه صفاته)، الفاء للتعقيب، أي: فأريد الخطاب فقيل: إياك، مثلها في قوله تعالى: (فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ) [البقرة: ٥٤]. وما أحسن الفاء التي في قوله: "فخوطب"، فإنها منادية على أن المقام للتدرج والترقي، لا على تقدير السؤال المقول عنده: كيف تحمدون؟ فقيل: إياك نعبد، وأبى الله تعالى إلا نصرة الحق.

قوله: (ليكون الخطاب أدل)، تعليل للتدرج، يعني لما حصل من إجراء الأوصاف على من يستحق الحمد على سبيل الغيبة تميز الموصوف. ومن التميز استحقاقه الثناء وغاية الخضوع بناءً على ترتب الحكم على الوصف، أريد مزيد ذلك، فخوطب ذلك المتميز ليتقوى ذلك التميز السابق فيزيد ذلك الاستحقاق؛ لأن مقام المشاهدة لا يحتمل ما يحتمله مقام المغايبة من الإيهام؛ فترقى من الحمد إلى العبادة والاستعانة مع رعاية معنى الاختصاص.

قال ابن جني: إنما ترك الغيبة إلى الخطاب؛ لأن الحمد دون العبادة، ألا تراك تحمد نظيرك ولا تعبده؟ ! ولما صار إلى العبادة التي هي أقصى أمد الطاعة قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) إصراحاً بها وتقرباً منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>