للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قد يكون من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، ومن الغيبة إلى التكلم، كقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس: ٢٢]، وقوله تعالى: (وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ) [فاطر: ٩].

وقد التفت امرؤ القيس ثلاث التفاتات في ثلاثة أبيات:

تطاول ليلك بالأثمد … ونام الخلي ولم ترقد

وبات وباتت له ليلة … كليلة ذي العائر الأرمد

وذلك من نبإ جاءني … وخبرته عن أبي الأسود

وذلك على عادة افتنانهم في الكلام، وتصرفهم فيه، ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب؛ كان ذلك أحسن تطرية لنشاط السامع، وإيقاظاً للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد، وقد تختص مواقعه بفوائد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يطلق عليها علم البديع. ويمكن أن يقال: إن الالتفات من حيث إنه يفيد التطرية وحسنها من البديع، ومن حيث إفادته التفنن والإخراج لا على مقتضى الظاهر من المعاني، ومن حيث كونه مستلزماً لإفادة دقيقة مطلوبة من الكناية التي هي نوع من أنواع البيان.

قوله: (قد يكون من الغيبة)، إلى قوله: (إلى التكلم) لف، ومن قوله: "كقوله تعالى: (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ) [يونس: ٢٢] " إلى قوله: (فَسُقْنَاهُ) [فاطر: ٩] " نشر. ولم يذكر للأول مثالاً كما ذكر لأخويه؛ لأن ما هو بصدده في "الفاتحة" أغناه عنه، وإنما فصل "قد يكون" لكونه بياناً للالتفات.

قوله: (ثلاث التفاتات)، قيل: إن الأول ليس بالتفات؛ لأن الالتفات تلوين وتغيير وليس فيه. وأجيب بأن حقه أن يقول: ليلي، فلما عدل عنه كان تلويناً.

<<  <  ج: ص:  >  >>