فإن قلت: كيف طابق قوله: "هذا يسمى الالتفات" سؤاله: "لم عدل عن لفظ الغيبة؟ ".
قلت: الجواب من وجهين:
أحدهما: أن قوله "لم عدل؟ " كان استفهاماً فيه نوع إنكار، أي: ماذا حمله على ارتكاب خلاف مقتضى الظاهر، وكان الأصل أن يجري الكلام على الغيبة. أجاب: أن هذا ليس بنكير في علم البيان، بل هو مشهور ومسمى بالالتفات الذي هو الانتقال من إحدى الصيغ الثلاث إلى الأخرى لمفهوم واحد. وذلك الانتقال من دأبهم وافتنانهم في الكلام. ثم أتى بجواب آخر أعم منه فقال:"ولأن الكلام" أي: مطلق الكلام سواء صدر منهم أو من غيرهم "إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان أحسن تطرية لنشاط السامع"، وهذه الطريقة وهي أن يتضمن الجواب الزيادة على المطلوب من الأسلوب الحكيم؛ ولهذا أتى بالمستشهدات المتنوعة الجامعة لأكثر أنواع الالتفات، لتكون كالتعريف له. وفيما شرحنا كلامه لطيفة وإرشاد إلى أن الأمثلة كالتعريف حيث وضعنا الحد موضعها، وفيما سلك إيجاز من وجه، لأنه علم منه حده وأقسامه.
وثانيهما: أن في الكلام إطناباً، وأنه جواب واحد. وحقيقة الجواب قوله:"ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب كان أحسن تطرية" وقوله: "وذلك على عادة افتنانهم" توطئة للجواب، وقوله:"هذا يسمى الالتفات" توطئة للتوطئة. ونحوه سؤاله في أول "طه": فإن قلت: ما فائدة النقلة من لفظ المتكلم إلى لفظ الغائب؟ قلت: غير واحدة، منها: عادة الافتنان في الكلام وما يعطيه من الحسن والروعة، ومنها كذا وكذا. و"الواو" في "وما يعطيه" كالواو في "ولأن الكلام" من عطف البيان على طريقة: أعجبني زيد وكرمه.
قوله:(في علم البيان)، اعلم: أن البيان كثيراً ما يطلق على أنواع المعاني والبيان والبديع كما