للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورغم عدم تَجانُس رؤى الأنبياء وتأرجحهم بين أقطاب متعارضة، فيمكن رصد موضوعات أساسية تبين تصاعُد النزعة التوحيدية وتراجُع النزعة الحلولية، من بينها أنهم كانوا يهتمون بالوضع الراهن، والأحداث التاريخية (على عكس مؤلفي كتب الرؤى [أبوكاليبس] فيما بعد) . والإله ـ حسب رؤيتهم ـ هو محرك أحداث التاريخ، لا التاريخ العبراني وحسب، وإنما محرك التاريخ البشري ككل. كما أنه سيعاقب كل الأمم على ما تقترفه من معاص، وإن كان يخص جماعة يسرائيل بعقابه وحبه في الوقت نفسه. ومن ناحية أخرى، فإن نبوَّات الأنبياء ذات مضمون أخلاقي تدور حول سلوك جماعة يسرائيل في الوقت الحاضر وتوبتهم وعودتهم إلى الإله. وقد طوَّر الأنبياء عقائد اليهود الأخروية، وبدأت الآخرة ترتبط بفكرة الخير والشر والثواب والعقاب حين يعاقب الإله الأشرار، ولا يبقي سوى البقية الصالحة التي ستؤسِّس مملكته. وبدأت فكرة البعث تظهر بشكل جنيني عند دانيال وربما أشعياء. وقد ساهم الاحتكاك بالحضارة البابلية المتفوقة، ثم التهجير إلى هناك، في تعميق فكر الأنبياء. ونحن نذهب إلى أن تبلور الفكر الأخروي واكتسابه مضموناً أخلاقياً (ارتباط الثواب والعقاب بالخير والشر) هو أيضاً تعبير عن ضمور الحلولية التي يتراجع داخل إطارها التفكير الأخروي والمضامين الأخلاقية.

<<  <  ج: ص:  >  >>