للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: صوَّركم أحياءً قادرِين عالمين، {ثُمَّ يُمِيتُكُمْ} عند (١) انقضاءِ آجالكم، {ثُمَّ يُحْيِيكُمْ} في القبر للسؤالِ والجواب، وتمهيدِ الثواب والعقاب، ثم يَبعثكم يوم القيامة للجزاء على الأعمال؛ فريقًا للسلاسل والأغلال، وفريقًا للأرائك والظِّلال.

وأمَّا على طريقة (٢) الحقيقة؛ فعلى ثلاثِ مراتبَ أشار إليها الإمامُ القشيريُّ رحمه اللَّه:

أولاها: وكنتم أمواتًا بجهلكم عنه، ثم أَحياكم بمعرفتِكم به، ثم يميتُكم عن شواهدكم، ثم يُحييكم به، ثم إليه ترجعون بحفظِ أحكام الشرائعِ ومراعاةِ الحقائق.

والثانية: وكنتم أمواتًا ببقاء نفوسِكم، فأَحياكم بفناء نفوسِكم، ثم يميتكم عن شهود ذلك؛ لئلا تلاحظوه فيفسد عليكم (٣)، ثم يحييكم بأخذِكم عنه، ثم إليه ترجعون بتقلُّبكم في قبضته (٤).

والثالثة: هذا تقليبُ أحوالهم مدَّةَ حياتهم في دنياهم، كانوا أمواتًا بذواتهم في الأصل فأَحياهم بما أَقام فيهم، ثم أَماتهم عن رؤية البَقاء فأَفناهم، ثم أَثبتهم وأبقاهم، ثم جعل إليه في كلِّ الأحوال مرجعَهم ومنتهاهم، فهم أبدًا بين نفيٍ وإثباتٍ، وإماتةٍ وإحياءٍ، وبقاءٍ وفناءٍ، وصحوٍ ومحوٍ، فمِن المحالِ كفرُ العبد وكفرانُه مع هذه الأحوال (٥).


(١) في (ف): "بعد".
(٢) في (ف): "وأما طريق".
(٣) بعدها في (ر): "سألكم".
(٤) في (ر) و (ف): "ليقلبكم في قبضته"، والمثبت من (أ) و"اللطائف".
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٧٣).