للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}: الفِسْقُ والفُسوق: الخروجُ عن الطاعة، وفَسَقَت الرُّطَبة؛ أي: خرجت مِن (١) قِشرها، والفُويسقةُ: الفأرةُ؛ لخروجها مِن جُحرها.

ثم هذا كشفُ الكلام (٢) الأوَّل، فإنَّه قال: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا}، ثم بيَّن مَن يُضلُّه به فقال: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}؛ أي: وما يَخذلُ اللَّهُ بسبب ذكر هذا المَثَل إلَّا الخارجين عن طاعته.

وانتصابُه بوقوع فعلِ الإضلال عليه.

وبالجملة: إنَّ الهدايةَ والإضلالَ مِن اللَّه حقيقةً، والاهتداءَ والضلالَ مِن العبد حقيقةً، والجبريَّة لا يَرَون فعلَ العبد، والمعتزلةُ لا يَرَون فعلَ اللَّه، وقد رَدَدنا قولَ الفريقين قَبْلَ هذا.

ثم الهدايةُ في حقِّ مَن اختاره؛ قال تعالى: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: ٢٧] والإضلالُ في حَقِّ مَن اختاره؛ قال تعالى: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: ٢٧] وقال تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة: ٢٦].

والإضلالُ إذا أُضيف إلى اللَّه تعالى فهو خلقُ الضلالِ (٣)؛ كقوله تعالى: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا} [البقرة: ٢٦] وقد يكون للإبطال كقوله تعالى: {أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: ١]، وإذا أُضيف إلى الشيطان فهو التزيين والوسوسة، قال: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ} [النساء: ١١٩]، وما أُضيف إلى فرعونَ ونحوِه فهو الدعوة، قال تعالى: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ


(١) في (ف): "عن".
(٢) في (ر): "الحكم".
(٣) في (ر): "الإضلال".