للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قالوا: والجمع بين المعنيين بوصفٍ واحدٍ أَولى مِن الحمل على الضِّدَّين؛ لأنَّ الكلامَ للإفهام، وفي دلالة اللفظِ الواحدِ على الضِّدَّين حملٌ على الإبهام، وحملوا على ذلك جميعَ ما ورد من الألفاظ الواقعة على الضِّدَّين في الكلام، وقالوا: الوراء: ما وراءك خَلْفًا كان أو أمامًا، والصَّريم الوقتُ المنصرمُ ليلًا كان أو نهارًا، والقرء: الوقتُ المعتاد طهرًا كان أو حيضًا، والفوق: المجاوز عن الشيء صغيرًا كان أو كبيرًا (١).

وإذا حمل على المجاوزة في الصِّغَر؛ فمعناه: أنَّ اللَّهَ تعالى لا يَمتنع عن بيان الحقِّ بضَرْب المَثَل بالبعوضِ الذي هو نهايةٌ في الصِّغَر عندكم، وبما هو دونَه في الصغَر ممَّا هو في علمِ اللَّه تعالى وقدرته وإنْ لم يَرَهُ أحدُكم بمشاهدته.

وإذا حمل على المجاوزة في الكِبَر؛ فقد قيل: أي: بالفيل الكبير، فإنَّهما يتماثلان صورةً؛ لكن هذا يطير وذاك (٢) يسير، وهذا يألَفُ وذاك يَنفِرُ، وهذا يُؤذيك ويستولي عليك، وذاك تقهَرُه أنتَ وتستولي عليه.

ومِن العجيب (٣) عَجْزُك عن هذا الضعيف الصغير، وقدرتُك على ذلك الكبير.

ومِن الأعاجيب: أنَّ هذا الضعيفَ إذا طار في وجهك ضاقَ به قلبُك، وتنغَّص به (٤) عيشُك، وفسد عليك بستانُك وكَرْمُك.

وأعجبُ منه: جرأتُك مع ضعفك على ما يورثُك العارَ ويوردك النارَ، فإذا كان


(١) في (أ): "صغرًا كان أو كبرًا".
(٢) في (ر) و (ف): "وهذا".
(٣) في (ف): "العجب".
(٤) "به": ليست في (أ) و (ر).