للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبسائر نِعَمه، وعَلِمَ عجزَهم عن شكرِه على الكمال، أتمَّ الإفضال؛ بأنْ حمدَ نفسَه بنفسِه، وناب عنهم في شُكره بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}.

وهذا كما يصلِّي على النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بسؤالنا عنَّا: اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ، مع أنَّه أَمَرَنا بالصلاةِ عليه، لعَجْزنا (١) عن الصلاةِ على ما يستحقُّه.

وهذا كما يُخاطِب الملوكَ المنازِعينَ له في ملكِه بعد فناءِ خَلْقه: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ}؛ تقريعًا لهم، ويَعلم أنَّ أولياءَه لو كانوا أحياءً لأَجابوا، فينوبُ عنهم بقوله: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}.

ولأنَّه أَظهر لخَلْقه (٢) أنَّ الحمدَ الذي هو له على الكمالِ، هو الحمدُ الذي حمدَ به نفسَه لا حَمْدُهم إيَّاه، فإنَّهم مُحدَثون عاجزون؛ لم يكونوا فكانوا، ولا يكونون بعد أنْ كانوا، فكيف يكون حمدهم كفاءً لحقِّه (٣)؟

ولأنَّ حمدَهم معلولٌ، فإنَّهم (٤) يَطلبون به (٥) إدامةَ الموجود ووجودَ المفقود، فلا يَخلُصُ (٦) لهم (٧)، واللَّهُ تعالى حمدَ نفسَه في الأَزَل، وهو حقٌّ، وحمدُه حقٌّ، وأَمَرَ عبادَه أن يَحمدوه، ليصير حمدُهم الحادثُ المَجازيُّ (٨) بالحمد الأزليِّ الحقيقيِّ صالحًا مرضيًّا مقبولًا.


(١) في (ف): "مع عجزنا".
(٢) في (أ) و (ف): "للخلق".
(٣) في (أ): "كفاة كفه"، وفي (ف): "كفؤا لحقه".
(٤) في (ر): "لأنهم".
(٥) في (ف): "منه".
(٦) في (ر) و (ف): "مخلص".
(٧) في (أ) و (ر): "له".
(٨) في (أ): "المحاذي".