للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال ص: "في كل كبِدٍ رطبة أجْرٌ" (١٢)، فهو لو سُرِق له كان له الأجر، فكيف، (١٣) وان كان الثاني، وهو ألَّا تكون صورته كافية في تحصيل مصلحته، فلا بُدَّ فيه من النية، وهذا كالأمور التعبدية كلها، فالصلاة شُرِعَتْ لتعظيم الرَّب تعالى وإجْلاله، والإِجلال إنما يحصل بالقصد.

قلت: هذا أحسَنُ من قوْل بعض الفقهاء في النية:

لِمَ كانتْ في الوضوء ولم تكن في إزالة النجاسة؟ والجميع طهارة، فقال: لأن إزالة النجاسة توجَّه الأمر إلى تركها، وما طريقُهُ التَّرْك لا يفتقر إلى نيَّة، يدلك عليه ترْك الكلام في الصلاة، (١٤) والوضوءُ إنما توجّه الأمر فيه إلى ايجاد فعل، وذلك يفتقر إلى نية، يدلك عليه الصلاة والصوم، فإنه ينقض عليه بالصوم، فإنه ترْكٌ وليس بفعل. (١٥)

قال: ونذكرُ هنا أربع مسائل:


(١٢) اخرجه الإِمام البخاري رحمه الله في باب فضل سقي الماء، وذلك كما جاء في أوله أن رجلا سقى كلبا يلهثُ من العطش، فشكر الله له ذلك فغفَر له، فقالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجْراً، قال: "في كل كبدٍ رطبةٍ أجْرٌ" أي في كل حيوان ذى كبدٍ رطبة اجر على إغاثته ونفعه.
(١٣) كذا في جميع النسخ الثَلاث من الكتاب: ع، وح، ت، ولعل في الكلام حذفا مفهوما من السياق وما يقتضيه تمام المعنى وهو: كيف وقد انفقه وصرفه فيما حصل به نفع للغيْر، أي فيكون له الأجْر، وان لم ينو بذلك القرْبْةَ، والله أعلم.
(١٤) كذا في نسخة ع، وهو واضح الدلالة والمعنى المراد، وفي نسخة أخرى: يدلك عليه الكلام في الصلاة، وفى نسخة ح: "فذلك علة ترْك الكلام". وما في نسخة ع هو الأظهر والأوضح، وهو الظاهر والأَصوب كما يظهر من سياق الكلام في أوله وآخره. فليتأمل ذلك.
(١٥) هذا السَّطر الاخير من هذه الفقرة، وهو قوله: فإنه ينقض عليه بالصوم مرتبط بما قاله الشيخ البقوري وذكره في اول الفقرة من كلام بعض الفقهاء ومن تساؤله عن الفرق في كون النية مطلوبة في الوضوء، دون إزالة النجاسة مع ان الجميع طهارة، وجواب ذلك البعض عن ذلكم التساؤل ... الخ.
والمعنى أن ما تساءل به ذلك البعض من الفقهاء، وأعطى جوابا عنه، يُنْقض عليه ويُعترَض عليه بأمر الصيام، فإنه ترْك وليس بفعل، ومع ذلك لابد فيه من النية مثل الوضوء والصلاة وغيرهما من فرائض العبادات.

<<  <  ج: ص:  >  >>