للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالاضطراب في باب الرضاع، وحسبك بهذه المسألة التي روي فيها عن عائشة أكثر من قول كما تقدم.

٤ - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرضاعة من المجاعة" متفق عليه (١) , وقوله: "الرضاعة ما أنبتَ اللحم وأنشز العظم" (٢)؛ فمتى كان للّبن تأثير في سد الجوعة، وإنشاز العظم, وإنبات اللحم؛ بعد الحولين؛ وجب أن يتعلق به حكم التحريم بعموم اللفظ (٣)؛ لأن للكبير من الرضاعة في طرد المجاعة نحو ما للصغير، فهو عموم لكل رضاع إذا بلغ خمس رضعات كما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٤).

ونوقش بما يأتي: أ- إن سياق الحديث حين رأى معها الرجل الكبير يبين المراد، وأنه إنما يحرِّم رضاعة من يجوع إلى لبن المرأة، والسياق ينزِّل اللفظ منزلة الصريح؛ فتغيُّر وجهه الكريم - صلى الله عليه وسلم - وكراهته لذلك الرجل، وقوله: "انظرن من إخوانكن"؛ إنما هو للتحفظ في الرضاعة، وأنها لا تحرِّمُ كلَّ وقت. (٥)

ب - قولكم: إن الرضاعة تطرد الجوع عن الكبير كما تطرد الجوع عن الصغير؛ كلام باطل، فإنه لا يعهد ذو لحية قط يشبعه رضاع المرأة ويطرد عنه الجوع، بخلاف الصغير فإنه ليس له ما يقوم مقام اللبن، فهو يطرد عنه الجوع، فالكبير ليس ذا مجاعة إلى اللبن أصلًا، والذي يوضح هذا أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يرد حقيقة المجاعة، وإنما أراد مظنتها وزمنها، ولا شك أنه الصغر، فإن أبيتم إلا الظاهرية، وأنه أراد حقيقتها؛ لزمكم أن لا يحرم رضاع الكبير إلا إذا ارتضع وهو جائع، فلو ارتضع وهو شبعان لم يؤثر شيئًا. (٦)

٥ - إن ما فوق الحولين يسمى رضاعًا من طريق اللغة؛ فوجب دخوله في حكم الآية. (٧)


(١) تقدم تخريجه في الضابط الثامن من المبحث الثالث في التمهيد.
(٢) تقدم تخريجه عند الضابط السابع من المبحث الثالث في التمهيد.
(٣) الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٦٤).
(٤) ينظر: ابن حزم المصدر السابق، (١٠/ ٣٠).
(٥) ينظر: ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٨٩).
(٦) ابن القيم: المصدر السابق، (٥/ ٥٨٩ - ٥٩٠).
(٧) الجصاص: المصدر السابق، (٥/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>