ومنها أن يحتاج إلى جواب مخالفته إلى العلم بشيء غائب عنه، فيمثل له حتى يراه، فيجربه ويدفع بذلك الخصم عن نفسه، كما أنه لما حدث الناس بأنه أسرى به إلى بيت المقدس، وصل فيه ورجع من ليلته احضروا له من كان رأى بيت المقدس وعرفه فاسعد له، فكان يصفه له وتبعته إلى أن كاد يخفى به بعض النعت، فمثل له المسجد حتى نظر إليه فوصفه.
ومنها أن يقصد أمرا متفق عله عند ذلك حال من جنس ما هو كائن، فيعلم به عاقبة ذلك الأمر وحاله، كما أنه لما خرج من المدينة أحد، تعلقت قبضة سيف رجل بشيء من رجل غيره، فانسل من غمده، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"هذا يوم ينتفى فيه السيف". فكان كما قال: وموضع الخصوص في هذا أن ما رأى جعل طريقا له إلى العلم، حتى قطع لأجله الحكم. وأما غيره فإن ذلك أن وقع له لم نعده أكثر من ظن لا يغني من الحق شيئا.
ومنها أن يشاهد من دابته حالا بغير معهود له منها فيستدل بذلك على الأمر الذي قصد تغيير شحها حتى كان منها ما كان، كما روى عن غزوة الحديبية: أن ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تركت، فقال الناس: حلاب ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما حلاب، وما ذلك لها بخلق، ولكل حبسها حابس الفيل عن مكة، فاعلم بترو كما من غير أن كان الحران خلقا لها أو سمع رأيه، ففزعت منه، أو كلال أصابها فأوهى قواها، أن ذلك صد من الله تعالى عن مكة أن يدخلها قهرا لئلا يصيب المسلمين من أهلها بالسوء من لا تحره إصابته له، ثم أنزل قول عز وجل:{ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات}، وتفسير ذلك موجود في موضعه والله أعلم.
ومنه أن يكون بينه وبين أحد كلام واختلاف في أمر، فإذا جاء منهم من يخاطبه عنهم، استدل باسمه، مما هو كائن من أمره، كما استدل يوم الحديبية بحي سهيل بن عمرو على أن الصلح واقع بينه وبينهم، ويسهل سبيله إلى مكة، فكان كما وقع له ووقع الصلح في الحال، وأمن الناس ثم عاد العام القابل، فقضى عر به وبلغ مراده والحمد لله.