ابن أبي رباح عن أبي هريرة قال:"كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعو فيقول. . . " وذكره مثله، إلا أنه قال:"فأعطنا منا" بدل قوله: "منك"، ودلهاث بن جبير ضعيف جدًا، ومن طريقه خرجه أيضًا المستغفري في الدعوات.
قال الشارح: فمدته قصيرة فلا يعظم الضرر في تحملها، ولعله ذلك، لمَّا بالغ جيرانه -ومنهم عمه أبو لهب وزوجه وابنه- في إيذائه، فقد كانوا يطرحون الفرث والدم على بابه.
قلت: فيه أمران:
الأول: ما ترجاه الشارح من أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا بذلك لما بالغ جيرانه بمكة في إيذائه باطل لوجهين، أحدهما: أن أبا هريرة قال عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنه كان يدعو بذلك، وأبو هريرة ما أسلم إلا بالمدينة، بل في السنة السابعة من الهجرة.
ثانيهما: في رواية أخرى للحاكم [١/ ٥٣٢]: "استعيذوا باللَّه من جار المقام" الحديث، فإنه صريح على أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يدعو بذلك ابتهالًا إلى اللَّه تعالى وتعليمًا لأمته لا لإذاية عم ولا قريب.
الأمر الثاني: قوله في الحديث: "فإن جار البادية يتحول" -أراه وهمًا من راويه، رواه بالمعنى فغلط فيه، فقد روى هذا الحديث البخاري في الأدب المفرد [رقم ١١٧] مثله، وقال:"فإن جار الدنيا" بدل "البادية"، وهذا هو الصواب، لأن جار البادية لا يختص بالتحول، بل جار الحاضرة كذلك، بل أولى من جار البادية، بل لو قيل: إن جار الحاضرة يتحول دون جار البادية لما كان بعيدًا، بل هو الواقع إلا في العرب الوحل وهم عدد قليل، والحكم للغالب لا القليل، فالصواب حينئذ في معنى الحديث -واللَّه أعلم- أن المراد