العصور الوسطى، حفزهم إلى ذلك ما كشفته الأقوام الضاربة في البحر. ولم يعد لما نقل من الكتب الإسلامية في الجغرافيا والفلك (مدر كتب الفرغانى والبتانى) بصفة خاصة إلا أثر ضئيل في هذه الآراء منذ القرن الثاني عشر (modern: A.C.Beazley The Dawn of Geography ثلاثة مجلدات. لندن سنة ١٩٠٠)، وفي ذلك العهد ظهر أول المصورات البحرية التي وضعها البرتغال والإيطاليون. وحدث انقلاب في الآراء الجغرافية في أوروبا فأدى ذلك سريعًا إلى إبطال المؤلفات الجغرافية التي ظهرت في الشرق أو في أوربا إبان العصور الوسطى، وذلك هو معظم السبب الذي من أجله أقلعت المؤلفات الشرقية الجديدة في الفلك عن الاعتماد على الرواية الجغرافية القديمة المألوفة.
على أن ثمة صنفا من المؤلفات الجغرافية الإسلامية وهو الخاص بالجغرافيا البحرية ظهر فيه عدة مؤلفات قيمة في ذلك العهد، وليس بعجيب أن تصدر مثل هذه المؤلفات إذا عرفنا أهمية هذا الفرع من الجغرافيا، ومع ذلك فإن لهذا النوع من التأليف الجغرافي البحرى تقاليد قديمة خاصة به، وهذه التقاليد تجعله أقرب إلى القصص القديمة التي ذكرها جوابو البحار منه إلى الكتب الإسلامية القديمة. وهذا ما نلاحظه مثلًا في مغامرات التاجر سليمان في القرن التاسع وفي المعلومات التي أمدنا بها أبو زيد السيرافى عن الهند وإفريقية في بداية القرن العاشر في المخطوط المسمى "سلسلة التواريخ" (Relation de Voyages طبعة رينو، باريس عام ١٨٤٦). وكان الملاحون الذين يجوبون شواطئ الخليج العربي وسواحل بلاد العرب الجنوبية والبحر الأحمر على دراية واسعة منذ الأزمنة القديمة بالموضوعات البحرية والخاصة بالملاحة، وقد جمعت هذه المعلومات في أوقات متفرقة في مؤلفات تعرف باسم "راهنامج"، ويقول ابن ماجد إنه ظهر في عهد العباسيين ثلاثة كتبوا في الملاحة، وقد استقوا معلوماتهم ممن جابوا البحار البعيدة، ولم تترك كتب هؤلاء المؤلفين آثارا واضحة في