جزم أن قوم ابن عكيم الذين أخبروه بهذا الخبر من الصحابة، واعتمد على ذلك في تصحيح الحديث.
ولا يخفى ما في ذلك من نظر، فلو ثبت أنهم من الصحابة ما تردد أحد من الأئمة في تصحيحه، ولكن هذا مجرد احتمال، ولا تصحح الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالظنِّ والاحتمال، بل الأصل فيه الاحتياط، ولهذا جزم أئمة الحديث ونقاده، بإعلال الحديث بمجرد وقوفهم على هذه الرواية التي زاد فيها ذكر المشيخة، فها هو الإمام أحمد بعد أَنِ اشتهر عنه القول بتصحيح هذا الحديث والاحتجاج به؛ توقف فيه ورجع عن القول به؛ لما روى بعضُهم عن ابن عكيم أنه قال:(حدثنا الأشياخ)، وقد تقدم تصريح ابن معين وغيره من الأئمة بتضعيف الحديث لهذه العلة.
هذا فضلًا عن مخالفة ظاهره للأحاديث الصحاح المتقدمة في إباحة الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ، ولهذا قدمها جماعة عليه، وغمزوه بها، ومنهم من جمع بينهما:
ولهذا سُئِلَ ابن معين: أيما أعجب إليك من هذين الحديثين ((لَا يُنْتَفَعُ مِنَ الْمَيْتَةِ بِإهَابٍ وَلَا عَصَبٍ))، أو هذا الحديث ((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا))؟ فقال:((((دِبَاغُهَا طَهُورُهَا)) أعجبُّ إليَّ)) (تاريخ ابن معين - رواية الدوري ٣/ ٢٥٠).
وقال النسائي -عقب حديث ابن عكيم-: ((أصحُّ ما في هذا الباب في جلود الميتة إذا دُبغت؛ حديث الزُّهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، عن ميمونة، والله تعالى أعلم)) (المجتبى عقب حديث ٤٢٨٩).
وقال ابن المنذر: ((ابن عكيم لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم وليست له صحبة، إنما روى ذلك عن مشيخة من جهينة لم يسمهم وما يدر مَنْ هم،