للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نستوقد النبل بالحضيض ونصطا ... د نفوساً بنت على الكرم

فالشاعر يفتخر بما فعله قومه ببني جديلة يوم أن ظفروا بهم، فقد حبسوهم في جحيم من نيران الحرب التي أوقدها بنبالهم. وقوله: نستوقد النبل، من الكلام الفصيح الموجز - ما يقول التبريزي - وقوله: نصطاد نفوساً بنت - أي بنيت في لغة طيء - على الكرم، معناه: أنهم لا يصطادون إلا رؤوس الأقوام وأما جدهم - على حد قول الأخنس: "همو يضربون الكبش يبرق بيضه"، وعلى حد قول حسان بن ثابت: "الضاربين الكبش يبرق بيضه".

والشاهد في البيتين قوله: (نحن حبسنا بني جديلة) حيث قدم المسند إليه على الخبر الفعلي ليفيد إثبات هذا الحكم للمسند إليه على طريق التأكيد والتقوية، لأن المقام مقام فخر، ويحتاج إلى إثبات هذا الحكم لقومه - وهو: أنهم قد حبسوا بني جديلة في جحيم من نار الحرب - بصورة مؤكدة، وطريقة قوية.

وهذا جريبة بن الأشيم الفقعسي يفتخر بفرسان قومه، فيقول (١):

فدى لفوارسي المعلمين ... تحت العجاجة، خالي وعم ...

هم كشفوا عيبة العائبين ... من العار أوجههم كالحمم

فالشاعر يفدي فوارس قومه المعروفين بالشجاعة تحت العجاج في غمار الحرب، بخاله وعمه، لأنهم قد أدركوا ثأر من قتل منهم، وكشفوا سواة أعدائهم، وأظهروا مخازيهم وألبسوهم عاراً تسود منه الوجوه حتى كأنها الفحم.

والشاهد قوله: (هموا كشفوا عيبة العائبين) فقد قدم المسند إليه على الخبر الفعلي لتأكيد هذا الحكم، وهو: أنهم قد كشفوا مخازي أعدائهم، وأظهروا سوءاتهم، لأن المقام مقام فخر وهو يقتضي هذا التأكيد.


(١) ديوان الحماسة لأبي تمام، ج ١، ص ٣٢٩.

<<  <   >  >>