للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الضحاك: " يعني بذلك: أنه لا يصلح إذا كان بيعا في سفر، إذا وجد كتابا، أن يأخذ رهنا، ولكن ليكتب حقه إلى أجله" (١).

وروي " عن عامر، في قوله: {فرهان مقبوضة}، قال: هي منسوخة {فإن أمن بعضكم بعضا}، يعني: نسخه ذلك" (٢).

وفي (الرهن) قولان (٣):

أحدهما: أن الرُّهُن في الأموال، والرِّهَان في الخيل. قاله أبو عمرو (٤)، ومنه قول قَعْنَب (٥):

بَانَتْ سُعادُ وأَمْسَى دُونَهَا عَدَنُ ... وَغَلِقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قَلْبِكَ الرُّهُنُ

أي وحب لها (٦).

والثاني: أن الرِّهَان جمع، والرُهُن جمع الجمع، مثل ثمار وثمر، قاله الكسائي، والفراء (٧).

واتفق الفقهاء في الجملة على أن القبض شرط في الرهن، لقوله تعالى {فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣]، واختلفوا في تحديد نوع الشرط: أهو شرط لزوم أو شرط تمام؟

القول الأول: أن قبض الرهن شرط في لزومه، قاله سعيد بن جبير (٨)، والشافعي (٩)، وأبو حنيفة (١٠)، وأهل الظاهر (١١).

القول الثاني: أن الرهن يلزم بمجرد العقد ولو لم يقبض المرهون، وهو مذهب مالك (١٢).

قال ابن عثيمين: " وقوله تعالى: {مقبوضة} أي يقبضها من يتوثق بها - وهو الطالب - من المطلوب الذي هو الراهن؛ والطالب الذي قبض الرهن يسمى مرتهناً؛ فهنا راهن، ومرتهن، ورهن، ومرهون به؛ فالرهن: العين؛ والراهن: معطي الرهن؛ والمرتهن؛ آخذ الرهن؛ والمرهون به: الدين؛ فأركان الرهن أربعة، ولم يبين سبحانه وتعالى كيف القبض؛ فيرجع في ذلك إلى العرف؛ ومعناه: أن يكون الشيء في قبضة الإنسان، وتحت سيطرته" (١٣).

وقال الراغب: " واشتراط كونها مقبوضة تنبيه أن الرهن لا يثبت حكمه ما لم يكن مقبوضا لأمرين:

أحدهما: أن ذلك معطوف على الشهادة فكما أن الشرط في الشهادة معتبر كذلك هاهنا.

والثاني: أن حكم الرهن مأخوذ من هذه الآية وقد أجازه بهذه الصفة، فيجب أن تعتبر الصفة فيه" (١٤).


(١) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٣٩): ص ٢/ ٥٦٩.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم (٣٠٤٠): ص ٢/ ٥٦٩.
(٣) أنظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٨، والنكت والعيون: ١/ ٣٥٩.
(٤) أنظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٨.
(٥) مختارات ابن الشجرى ١: ٦، ولباب الآداب ٤٠٢ - ٤٠٤، اللسان (رهن)، وروايته هناك " من قبلك "، وهي أجود فيما أرى. غلق الرهن غلقًا (بفتحتين) وغلوقًا: إذا لم تجد ما تخلص به الرهن وتفكه في الوقت المشروط، فعندئذ يملك المرتهن الرهن الذي عنده. كان هذا على رسم الجاهلية، فأبطله الإسلام. يقول: فارقتك بعد العهود والمواثيق والمحبات التي أعطيتها، فذهبت بذلك كله، كما يذهب بالرهان من كانت تحت يده. [حاشية الطبري: ٦/ ٩٦].
(٦) أنظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٨.
(٧) أنظر: تفسير الثعلبي: ٢/ ٢٩٨.
(٨) أنظر: تفسير ابن أبي حاتم (٣٠٣٦): ص ٢/ ٥٦٩. ولفظه: " لا يكون الرهن إلا مقبوضا يقبضه الذي له المال".
(٩) أنظر: تحفة المحتاج ٥/ ٦٧ - ٦٨، ونهاية المحتاج ٤/ ٢٥٣.
(١٠) أنظر: فتح القدير ٨/ ١٩٠، وحاشية ابن عابدين ٦/ ٥٠٩.
(١١) أنظر: المحلى: (١٢١٠): ٨/ ٨٨.
(١٢) أنظر: الشرح الصغير ٢/ ١٠٨، وحاشية الدسوقي ٣/ ٢٣١. وعُمدة مالك: قياس الرهن على سائر العقود اللازمة بالقول، وعمدة الغير: قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: ٢٨٣].
(١٣) تفسير ابن عثيمين: ٣/ ٤٢٥ - ٤٢٦.
(١٤) تفسير الراغب الأصفهاني: ١/ ٥٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>