للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

متاعكم إلى هذه الصومعة، وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها. ففعلنا، فجاء الأسد فَشَمّ وجوهنا، فلما لم يجد [ما يريد] [١] تَقَبّض، فوثب وثبة [٢]، فإذا هو فوق المتاع، فشم وجهه ثم هزمه هَزْمة ففتح [٣] رأسه. فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد (١٣).

وقوله: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى﴾، أي [٤]: فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض، حتى كان بينه وبين محمد قاب قوسين، أي: بقدرهما إذا مُدّا. فاله مجاهد، وقتادة.

وقد قيل: إن المراد بذلك بُعد ما بين وتد القوس إلى كبدها.

وقوله: ﴿أَوْ أَدْنَى﴾، قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإِثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه، كقوله: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾، أي: ما هي بألين [٥] من الحجارة، بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة. وكذا قوله: ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ وقوله: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ أي: ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة، أو يزيدون عليها. فهذا تحقيق للمخبر به لا شك و [لا] [٦] تردد [٧]، فإن هذا ممتنع هاهنا، وهكذا هذه الآية: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَينِ أَوْ أَدْنَى﴾.

وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب [٨] الداني الذي صار بينه وبين محمد إنما هو جبريل هو قول أُم المؤمنين عائشة، وابن مسعود، وأبي ذر، وأبي هريرة، كما سنورد أحاديثهم قريبًا إن شاء الله.

وروى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس أنه قال: "رأى محمد ربه بفؤاده مرتين" (١٤).


(١٣) - أخرجه الحاكم (٢/ ٥٣٩). وأبو نعيم في دلائل النبوة (٣٨٩ - ٣٩٢). قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (٤/ ٣٩).
(١٤) - أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: معنى قول الله ﷿: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾، حديث (٢٨٥/ ١٧٦).