للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آدم، ، إذا مشى كأنما ينحط من صَبَب، وكأنما الأرض تطوى له. وقد كره بعض السلف المشي بتضعف وتصنع، حتى روي عن عمر أنه رأى شابًّا يمشي رُوَيدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريض؟ قال: لا، يا أمير المؤمنين. فعلاه بالدّرة، وأمره أن يمشي بقوة. وإنما المراد بالهَوْن هاهنا: السكينة والوقار، كما قال رسول الله (٢٢): " إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وَأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا". وقال عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن يحيى [١] بن المختار، عن الحسن البصري في قوله: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ قال: إن المؤمنين قوم ذُلُل [٢]، ذلت منهم -والله- الأسماعُ والأبصار والجوارح، حتى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، وإنهم لأصحاء [٣]، ولكنهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. أما والله، ما أحزنهم حزن الناس، ولا تعاظم في نفوسهم شيء طلبوا به الجنة، أبكاهم الخوف من النار، إنه [٤] من لم يتعز بعزاء الله تَقَطَّعْ نفسهُ على الدنيا حسرات، ومن لم ير لله نعمة إلا في مطعم أو في مشرب، فقد قل علمه وحَضَر عذابهُ.

وقوله: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾، أي: إذا سَفه عليهم الجهال بالسيئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرًا، كما كان رسول الله، ، لا تزيده [٥] شدة الجهل عليه إلا حلمًا، وكما قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾.

وقال الإمام أحمد (٢٣): حدثنا أسود بن عامر، حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي خالد الوالبي، عن النعمان بن مُقَرّن المُزَني قال: قال رسول الله، [وسبّ رجلٌ رجلًا عنده - قال: فجعل الرجل المسبوب يقول: عليك السلام، قال: فقال رسول الله ، [٦]: "أما إن ملكا بينكما يذب عنك، كلما شتمك هذا قال له: بل [٧] أنت، وأنت أحق به. وإذا قال له عليك السلام، قال: لا، بل عليك وأنت


(٢٢) رواه البخاري في صحيحه حديث (٦٣٥)، ومسلم في صحيحه حديث (٦٠٣) من حديث أبي قتادة .
(٢٣) المسند (٥/ ٤٤٥)، وقال الهيثمي في المجمع (٨/ ٧٥): "رجاله رجال الصحيح، غير أبي خالد الوالبي وهو ثقة".