للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (١٣٠)

يقول تعالى: ﴿أَفَلَمْ [١] يَهْدِ﴾ لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به: يا محمد، كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم، فبادوا، فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر، كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها، يمشون فيها، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾، أي: العقول الصحيحة، والألباب المستقيمة، كما قال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾. وقال في سورة الم السجدة: ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ﴾. ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾، أي: لولا الكلمة السابقة من الله، وهو أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه، والأجل المسمى الذي ضربه الله [٢] تعالى لهؤلاء المكذبين إلي مدة معينة، لجاءهم العذاب بغتة.

ولهذا قال لنبيه مسليًّا له: ﴿فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾، أي: من تكذيبهم لك ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ﴾، يعني: صلاة الفجر، ﴿وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ يعني: صلاة العصر، كما جاء في الصحيحين (٩٩)، عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كنا جلوسًا عند رسول الله ، فنظر إلي القمر ليلة البدر، فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا علي صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ هذه الآية.

وقال الإمام أحمد (١٠٠): حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الملك بن عمير، عن عمارة بن رؤبَةَ [٣] قال: سمعت رسول الله، ، يقول: "لن يلج النار أحد


= (٢٠٦٧)، (١/ ٦٦٨) كلهم من طريق عكرمة عن ابن عباس به مطولًا.
(٩٩) - أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب: فضل صلاة العصر، حديث (٥٥٤) (٢/ ٣٣) وأطرفه في (٥٧٣، ٤٨٥١)، ٧٤٣٤، ٧٤٣٥، ٧٤٣٦)، ومسلم في صحيحه: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب: فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما، حديث (٢١١ - ٢١٢/ ٦٣٢) (٥/ ١٨٧ - ١٨٨).
(١٠٠) - أخرجه أحمد في "مسنده" (٤/ ١٣٦، ٢٦١). ومسلم في "صحيحه": كتاب=