أن يجعل [١] على خزائن الأرض: وهي الأهرام التي يجمع فيها الغلات، لما يستقبلونه [٢] من السنين التي أخبرهم بشأنها، ليتصرف [٣] لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد، فأجيب إلى ذلك رغبة فيه وتكرمة له، ولهذا [٤] قال تعالى:
يقول تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي: أرض مصر ﴿يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ﴾. قال السدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: يتصرف فيها كيف يشاء.
وقال ابن جرير: يتخذ منها منزلًا حيث شاء [٥] بعد الضيق والحبس والإسار ﴿نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: وما أضعنا صبر يوسف عَلى أذى إخوته وصبره على الحبس بسبب امرأة العزيز، فلهذا أعقبه اللَّه ﷿ السلامة والنصر والتأييد ﴿وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾ يخبر تعالى: أن ما ادخره اللَّه تعالى لنبيه يوسف، ﵇، في الدار الآخرة أعظم وأكثر وأجل مما خوله من التصرف والنفوذ في الدنيا، كقوله [٦] في حق سليمان،﵇: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾.
والغرض: أن يوسف، ﵇، ولَّاه ملك مصر الريان بن الوليد الوزارة في بلاد مصر، مكان الذي اشتراه من مصر زوج التي راودته، وأسلم الملك على يدي يوسف، ﵇؛ قاله مجاهد.
وقال محمد بن إسحاق (٨٧): لما قال يوسف للملك: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ قال الملك: قد فعلتُ، فولاه فيما ذكروا عمل أطفير، وعزل [٧] أطفير عما كان عليه، يقول اللَّه ﷿: ﴿وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ قال: فذكر لي - والله أعلم -:
(٨٧) - أخرجه ابن جرير (١٦/ ١٩٤٥٩) وابن أبي حاتم (٧/ ١١٧٢٣) من كلام ابن إسحاق.