للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجَوابُ: هذا الأخيرُ هو الأصَحُّ، وهو الأعَمُّ أيضًا؛ لأن المُنافِق قد يَكون في قَلْبه مرَض يَميل إلى الفاحِشة وإلى الزِّنا، وقد لا يَكون، وقد يَكون مُرجِفًا وقد لا يَكون، وقد يُجمَع بين النِّفاق والمرَض القَلْبي والإِرْجاف، وقد يَكون الإنسان في قَلْبه مرَض وليس مُنافِقًا، وقد يَكون مُرجِفًا وليس مُنافِقًا ولا في قَلْبه مرَض، فحينئذٍ نَتبَيَّن أن الأَوْلَى أن هذا العَطفَ عَطْف لمَوْصوف على مَوْصوف، وليس عَطْف على مَوْصوف واحِد، يَعنِي: ليس وَصْفًا لمَوْصوف واحِد حتى نَجعَل العَطْف من باب عَطْف الصِّفات بعضِها على بعض.

البَحْث الثانِي: هل هؤلاء انتَهَوْا أم لم يَنتَهوا؟

الجَوابُ: الواقِع أن الإِغْراء لم يَحصُل؛ ولهذا بَقِيَ المُنافِقون فلا قُتِلوا ولا أُخِذوا، فهم باقون، فهل نَقول: إنهم انتَهَوْا حينما رأَوْا هذا الوَعيدَ. أو نَقول: إنهم لم يَنتَهوا، لكنه عَزَّ وَجَلَّ عفا عنهم فيما بَعدُ، وأن هذا من باب إِخْلاف الوعيد، وإِخْلاف الوعيد من الكرَم بخِلاف إِخْلاف الوَعْد، فأيُّهما أرجَحُ؟

الجَوابُ: هُما قَوْلان للعُلماء رَحِمَهُم اللَّهُ: فبَعضُهم يَقول: إنهم لمَّا رأَوْا هذا الوَعيدَ، وكانوا من أَخوَف الناس وأَرعَن الناس انتَهَوْا وترَكوا هذا الأَمرَ. وبعضهم قال: إنهم لم يَنتَهوا، لكن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ لم يُغرِ نَبيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بهم؛ لحِكْمة اقتَضَت ذلك.

والذي يَظهَر لي -واللَّه تعالى أَعلَمُ-: أنهم انتَهَوْا؛ لأن المَعروف من حال المُنافِقين أنهم جُبَناءُ، وأنهم يَخافون ويَحذرون؛ ولهذا يَحلِفون عند الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنهم مُؤمِنون، ولمَّا تَخلَّفوا عن غزوة تَبوكَ جاؤُوا يَحلِفون ويَعتَذِرون، فهُمْ جُبَناءُ، وهم يَعلَمون أن وَعْدَ اللَّه حقٌّ، وأنهم لوِ استَمَرُّوا في أعمالهم العُدوانية هذه لأَغْرى اللَّه تعالى بهم نَبيَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وحصَل الجَلاء، ثُمَّ القَتْل.

<<  <   >  >>