للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (١) الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ١ - ٢] فَالسبَب خَاصٌّ، ولكن الحُكْمَ عامٌّ.

وكذلك في السُّنَّة: رأَى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- رجُلًا في السفَر قد ظُلِّل عليه وحولَه زِحام من الناس، فقال: "مَا هَذَا؟ " قالوا: صائِم. فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ" (١)، إلَّا أن قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ"، إذا قُلنا: إن العِبْرَة بعُموم اللَّفْظ لا بخصوص السبَب، فإنه يُشكِل على هذا أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَصوم في السفَر، كما في حديث أبي الدرداءِ -رضي اللَّه عنه-: ما فينا صائِمٌ إلَّا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وعبدُ اللَّه بنُ رواحةَ (٢)؛ فكيف نُجيب عن حديث: "لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ. . ."، هل النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يَفعَل بِرًّا؟

الجواب: كلَّا، نَقول -كما أَشار ابنُ دَقيقِ العيدِ رَحِمَهُ اللَّهُ إلى هذه المَسأَلةِ: إن العِبْرة بعُموم اللفظ، لكن يُراعَى المَعنى الذي من أَجْله ورَدَت هذه الصِّيغةُ (٣)؛ والمَعنَى هُو المَشَقَّة.

فنَقول: إنَّ العِبْرة بعُموم اللفظ لا بخُصوص السبَب، أي: أنه لا يُخَصُّ هذا الحُكْمُ على هذا الرَّجُلِ بعَيْنه، لكنه عامٌّ في جميع الناس، إلَّا أنه يَجِب أن يُراعَى المعنى الذي من أَجْله ورَدَت هذه الصِّيغةُ العامَّة، وهو المَشقَّة؛ فنَقول: ليسَ البِرُّ


(١) أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمن ظُلل عليه واشتد الحر: "ليس من البر الصوم في السفر"، رقم (١٩٤٦)، ومسلم: كتاب الصيام، باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر، رقم (١١١٥)، من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الصوم، باب إذا صام أياما من رمضان ثم سافر، رقم (١٩٤٥)، ومسلم: كتاب الصيام، باب التخيير في الصوم والفطر في السفر، رقم (١١٢٢).
(٣) إحكام الأحكام (٢/ ٢١).

<<  <   >  >>