ومَعصِيتُهما جميعًا مِثالهُا: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ"(١)، فلو خالَف الإنسان في ذلك يَكون قد عصَى اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لأنَّ الأَمْر هنا من اللَّه تعالى ومن رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأَحيانًا يَرِد الأمرُ في القُرآن دون السُّنَّة، فإذا عَصاه الإنسان صار عاصِيًا للَّه تعالى، وأحيانًا يَرِد في السُّنَّة دون القُرآن، فإذا عَصاه الإنسان صار عاصِيًا للرَّسول -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ولكن لِتَعلَم أنَّ مَعصية الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَعصية للَّه تعالى؛ لأن الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَتكَلَّم عمَّن أَرسَلَه، فإذا عصَيْتَه فقَدْ عَصَيْت من أَرسَلَه، فلو أن رجُلًا أَتاك وقال: إن فُلانًا أَرسَلَني إليك. وقال: ليَفعَلْ كذا وكذا. فخالَفْتَ الرسولَ فتكون مخُالِفًا في الواقِع للمُرسِل؛ ولهذا قال اللَّه عَزَّ وَجَلَّ:{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء: ٨٠].
فعلى هذا يَكون {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} سواءً على سَبيل الانفِراد أو على سبيل الاشتِراك.
وقوله تعالى:{فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا}، هذا جوابُ الشَّرْط، وقُرِن بالفاء؛ لأنَّها اقتَرَنَت في {فَقَدْ}، وهناك ضوابِطُ لجواب الشَّرْط الذي يَجِب اقترانُه بالفاء، ذُكِرَت في بيتٍ:
فإذا كان جوابُ الشَّرْط أحَدَ هذه الأشياءِ السَّبْعة فإنه يَقتَرِن بالفاء وجوبًا،
(١) أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام، باب الاقتداء بسنن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، رقم (٧٢٨٨)، ومسلم: كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، رقم (١٣٣٧)، من حديث أبى هريرة -رضي اللَّه عنه-.