للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنها مُعضَلة ومُنقَطِعة، فهي ضعيفة، ونحن لا يُهِمُّنا في الحقيقة سببُ النُّزول -وسبَب النُّزول صَحيح أنَّ فيه فائِدةً، وهو أنه يَكشِف أحيانًا المَعنَى؛ ليُبيِّنه ويُوضِّحه-، لكن المُهِمَّ الحُكْم، وهو أنه لا يُمكِن لمُؤمِن إذا قضَى اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أَمْرًا أن يَخْتار خِلافَ أَمْر اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- {أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}؛ لأنهم لا بُدَّ أن يُوافِقوا أمر اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لمِا في قُلوبهم من الإيمان؛ ولهذا كُلَّما هَمَّ المُؤمِن بمَعصية ذكَّرَه إيمانُه باللَّه تعالى فكَفَّ عنها.

ألَا ترى إلى قول النبيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في السَّبْعة الذين يُظِلُّهم اللَّه تعالى في ظِلِّه، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ" (١)، وهذه الدَّعوةُ كانت في مَحلٍّ خالٍ، لا يَطَّلِع عليهما أحَدٌ سِوَى اللَّه تعالى "فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ"، فمَنَعه إيمانه من أن يَفعَل الفاحِشة مع سُهولة أسبابها.

وكذلك أحَدُ الثلاثة الذين انطَبَق عليهم الغارُ حين مَكَّنَتْه ابنةُ عمِّه من نَفْسها، فلمَّا جلَس منها مَجلِس الرَّجُل مع امرأته -وأَعتَقِد في هذه الحالِ أنَّ الرَّغبةَ ستكون شديدةً وقويَّةً، وأنه لا يَفصِمها إلَّا إيمانٌ قَويٌّ، فلمَّا جلَس منها مَجلِس الرجُل مع امرأته، قالت له: "يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَفُضَّ الخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ" (٢)، فقام منها، وهي أحبُّ الناس إليه، هذا من الإيمان بلا شَكٍّ.

إِذَنْ: نحن لا يُهِمُّنا أن تَكون نزَلَت في زَينبَ بنتِ جَحْش -رضي اللَّه عنها- وأَخيها


(١) أخرجه البخاري: كتاب الأذان، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة، رقم (٦٢٩)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب فضل إخفاء الصدقة، رقم (١٠٣١)، من حديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-.
(٢) أخرجه البخاري: كتاب الإجارة، باب من استأجر أجيرًا فترك الأجير أجره، رقم (٢٢٧٢)، ومسلم: كتاب الرقاق، باب قصة أصحاب الغار الثلاثة، رقم (٢٧٤٣)، من حديث عبد اللَّه بن عمر -رضي اللَّه عنهما-.

<<  <   >  >>