للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقامت ثُمَّ التَفَتَت يَمينًا وشِمالًا، ثُمَّ رجَعَت إلى مَكانها الأوَّل فبَرَكت، فقال النبيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: "المَنْزِلُ هَاهُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ" (١)، ثُم نزَل، وكان أَقرَبُ البُيوت إليه بيتَ أبي أيُّوبَ -رضي اللَّه عنه- فذهَب إليه من أوَّل يوم نزَل وهو شارع في تَخطيط المَسجِد.

ولهذا يَنبَغِي للمَسؤُولين في البلَديات وفي الأَوْقاف أن يَجعَلوا أكبَرَ هَمِّهم في المُخطَّطات الجديدة وَضْع المَساجِد، فيَعتَنُوا بها قبل كل شيء.

على كل حال إني أَقول: إنَّ وَصْف الشيء بصِفَة، ووَصْف غيره بصِفة لا يَقتَضِي أن يَكون ذلك تَناقُضًا، بل كل منهما له نَصيبٌ من هذا الوَصْفِ، وقوله تعالى: {أَهْلَ الْبَيْتِ}: (البَيْت) هنا (أل) للعَهْد الذِّهْني، يَعنِي: أهل البَيْت المَعهود المَعروف، وهو هذا البيتُ الطاهِر بيت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال رَحِمَهُ اللَّهُ: [{وَيُطَهِّرَكُمْ} مِنْه] أَيْ: من الرِّجْس {تَطْهِيرًا}، و (تَطهيرًا) هنا مَصدَر طهُر، مَصدَر للفِعْل السابِق، والمُراد به التَّوْكيد، كما في قوله تعالى: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا}.

والتَّطهير من الرِّجْس أبلَغُ من ذَهاب الرِّجْس؛ لأنَّه بعد ذَهاب الرِّجْس قد يَبقَى له أثَرٌ، فإذا قال: يُذهِبه ويُطهِّركم، صار ذلك أبلَغَ؛ لأنه يَذهَب ذلك الرِّجْسُ ويَطهُر مَكانه بحيث لا يَبقَى له أثَرٌ.

ولا رَيبَ أنَّ بيت الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أبعَدُ البُيوت عن الرِّجْس، وأطهَرُ البيوت من الرِّجْس، هذا لا يَشُكُّ فيه مُؤمِن أبدًا، وكلُّ مَن قدَح في بيت الرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ في زوجاته فإنه يُعتبر قادِحًا بالرسول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، لأنَّ اللَّه تعالى


(١) انظر: السيرة النبوية لابن هشام (١/ ٤٩٥)، ودلائل النبوة للبيهقي (٢/ ٥٠١).

<<  <   >  >>