للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أُم سلمة: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها، دخلت حفشًا ولبست شر ثيابها، ولم تمسَ طيبًا ولا شيئًا حتى تمر بها سنة، ثم تخرج فتعطى بعرة فترمي بها، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فتفتض به (١). فقلما تفتض بشيء إلا مات (٢).

ومن ههنا ذهب كثيرون من العلماء إلى أن هذه الآية ناسخة للآية التي بعدها، وهي قوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة: ٢٤٠] الآية، كما قاله ابن عباس وغيره، وفي هذا نظر كما سيأتي تقريره.

والغرض أن الإحداد هو عبارة عن ترك الزينة من الطيب ولبس ما يدعوها إلى الأزواج من ثياب وحلي وغير ذلك، وهو واجب في عدة (٣) الوفاة قولًا واحدًا، ولا يجب في عدة الرجعية قولًا واحدًا، وهل يجب في عدة البائن فيه قولان. ويجب الإحداد على جميع الزوجات المتوفى عنهن أزواجهن، سواء في ذلك الصغيرة والآيسة والحرة والأمة والمسلمة والكافرة، لعموم الآية، وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه: لا إحداد على الكافرة، وبه يقول أشهب وابن نافع من أصحاب مالك، وحجة قائل هذه المقالة قوله : "لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا" (٤) قالوا: فجعله تعبدًا، وألحق أبو حنيفة وأصحابه والثوري الصغيرة بها لعدم التكليف، وألحق أبو حنيفة وأصحابه الأَمةَ المسلمة لنقصها، ومحل تقرير ذلك كله في كتب الأحكام والفروع، والله الموفق للصواب.

[وقوله: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أي: انقضت عدتهن، قاله الضحاك والربيع بن أنس (٥).

﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ قال الزهري: أي على أوليائها. ﴿فِيمَا فَعَلْنَ﴾ يعني النساء اللاتي انقضت عدتهم، قال العوفي عن ابن عباس: إذا طلقت المرأة أو مات عنها زوجها، فإذا انقضت عدتها فلا جناح عليها أن تتزين وتتصنع وتتعرض للتزويج، فذلك المعروف (٦)، وروي عن مقاتل بن حيان نحوه، وقال ابن جريج عن مجاهد ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ قال: النكاح الحلال الطيب (٧)، وروي عن الحسن والزهري والسدي ونحو ذلك (٨)] (٩).


(١) قال ابن الأثير: أي تكسير ما هي فيه من العدة بأن تأخذ طائرًا فتمسح به فرجها وتنبذه فلا يكاد يعيش (النهاية ٣/ ٤٥٤).
(٢) سبق تخريجه في الصفحة السابقة حاشية رقم (٥).
(٣) في الأصل: "هذه" والتصويب من (عف) و (مح) و (حم) و (ح).
(٤) تقدم عزوه في الحديث السابق.
(٥) قول الضحاك أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق جويبر عنه، وقول الربيع ذكره ابن أبي حاتم بحذف السند.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق سفيان الثوري عن ابن جريج به، وأخرجه الطبري من طريق سفيان الثوري عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وسنده صحيح.
(٨) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند، وقول الزهري والسدي أخرجهما الطبري بسند حسن عن كل واحد منهما.
(٩) ما بين معقوفين سقط واستدرك من (عف) و (ح) و (مح).