للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للجمع بين الآيتين، وهذا مأخذ جيد ومسلك قوي، لولا ما ثبتت به السنة في حديث سَبيعة الأسلمية المخرج في الصحيحين من غير وجه، أنها توفي عنها زوجها سعد بن خولة وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، وفي رواية: فوضعت حملها بعده بليال، فلما تعلت (١) من نفاسها، تجملت للخُطّاب، فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك، فقال لها: ما لي أراك متجملة لعلك ترجين النكاح؟ والله ما أنت بناكح حتى يمرّ عليك أربعة أشهر وعشر. قالت سَبيعة: فلما قال لي ذلك، جمعت عليَّ ثيابي حين أمسيت، فأتيت رسول الله فسألته عن ذلك، فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي، وأمرني بالتزويج إن بدا لي (٢). قال أبو عمر بن عبد البر: وقد روي أن ابن عباس رجع إلى حديث سَبيعة، يعني لما احتج عليه به، قال: ويصحح ذلك عنه، أن أصحابه أفتوا بحديث سَبيعة، كما هو قول أهل العلم قاطبة.

وكذلك يستثنى من ذلك الزوجة إذا كانت أمة، فإن عدتها على النصف من عدة الحرة، شهران وخمس ليال على قول الجمهور، لأنها لما كانت على النصف من الحرة في الحد، فكذلك فلتكن على النصف منها في العدة. ومن العلماء كمحمد بن سيرين وبعض الظاهرية من يسوي بين الزوجات الحرائر والإماء في هذا المقام لعموم الآية، ولأن العدة من باب الأمور الجبلية التي تستوي فيها الخليقة.

وقد ذكر سعيد بن المسيب، وأبو العالية (٣) وغيرهما، أن الحكمة في جعل عدة الوفاة أربعة أشهر وعشرًا، لاحتمال اشتمال الرحم على حمل، فإذا انتظر به هذه المدة، ظهر إن كان موجودًا، كما جاء في حديث ابن مسعود الذي في الصحيحين وغيرهما: "إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا نطفة (٤)، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يبعث إليه الملك فينفح فيه الروح" (٥)، فهذه ثلاث أربعينات بأربعة أشهر، والاحتياط بعشر بعدها لما قد ينقص بعض الشهور، ثم لظهور الحركة بعد نفخ الروح فيه، والله أعلم.

قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة: سألت سعيد بن المسيب: ما بال العشر؟ قال: فيه ينفخ الروح (٦).

وقال الربيع بن أنس: قلت لأبي العالية: لمَ صارت هذه العشر مع الأشهر الأربعة؟ قال: لأنه ينفخ فيه الروح (٧)، رواهما ابن جرير، ومن ههنا ذهب الإمام أحمد في رواية عنه إلى أن عدة أُم الولد عدة الحرة ههنا، لأنها صارت فراشًا كالحرائر، وللحديث الذي رواه الإمام أحمد عن يزيد بن هارون، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن رجاء بن حيوة، عن قبيصة بن ذؤيب،


(١) أي انتهت من نفاسها.
(٢) صحيح البخاري، الطلاق، باب ﴿وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ﴾ [الطلاق: ٤] (ح ٥٣١٨ - ٥٣٢٠)، وصحيح مسلم، الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها (ح ١٤٨٤).
(٣) سيأتي نصهما بعد حديث ابن مسعود التالي.
(٤) لفظ: "نطفة" سقط من الأصل.
(٥) صحيح البخاري، بدء الخلق (ح ٣٢٠٨)، وصحيح مسلم، القدر، باب كيفية الخلق الآدمي في بطن أُمه (ح ٢٦٤٣).
(٦) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق سُنيد عن أبي عاصم عن سعيد بن أبي عروبة به.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع به.