للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرْضاع وفيما يتعلق برضاع الكبير، عن قول تعالى: ﴿وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣].

وقوله: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: وعلى والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهن بالمعروف، أي بما جرت به عادة أمثالهنَّ من غير إسراف ولا إقتار، بحسب قدرته في يساره، وتوسطه وإقتاره، كما قال تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا (٧)[الطلاق] قال الضحاك: إذا طلق زوجته وله منها ولد، فأرضعت له ولده، وجب على الوالد نفقتها وكسوتها بالمعروف (١).

وقوله: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ أي: بأن تدفعه عنها لتضر أباه بتربيته، ولكن ليس لها دفعه إذا ولدته حتى تستقيه اللبن الذي لا يعيش بدون تناوله غالبًا، ثم بعد هذا لها دفعه عنها إذا شاءت، ولكن إن كانت مضارة لأبيه، فلا يحلّ لها ذلك، كما لا يحلّ له انتزاعه منها لمجرد الضرار لها، ولهذا قال: ﴿وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ أي: بأن يريد أن ينتزع الولد منها إضرارًا بها، قاله مجاهد وقتادة والضحاك والزهري والسدي والثوري وابن زيد (٢) وغيرهم.

وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ قيل: في عدم الضرار لقريبه، قاله مجاهد والشعبي والضحاك (٣)، وقيل: عليه مثل ما على والد الطفل من الإنفاق على والدة الطفل والقيام بحقوقها وعدم الإضرار بها، وهو قول الجمهور، وقد استقصى (٤) ذلك ابن جرير في تفسيره، وقد استدل بذلك من ذهب من الحنفية والحنبلية إلى وجوب نفقة الأقارب بعضهم على بعض، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وجمهور السلف، ويرشح ذلك بحديث الحسن عن سمرة مرفوعًا: "من ملك ذا رحم محرم، عتق عليه" (٥)، وقد ذكر أن الرضاعة بعد الحولين ربما ضرت الولد إما في بدنه أو في عقله.

وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة: أنه رأى امرأة ترضع بعد الحولين، فقال: لا ترضعيه (٦).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر عنه.
(٢) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول قتادة أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عنه، وقول الضحاك أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جويبر، وقول الزهري أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عُقيل عنه، وقول السدي أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عنه، وقول ابن زيد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عنه.
(٣) قول مجاهد أخرجه الثوري في تفسيره من طريق عيسى بن ميمون عنه، وقول الشعبي أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن من طريق عاصم الأحول عنه، وقول الضحاك أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق علي بن الحكم عنه (المصنف ٥/ ٢٤٥).
(٤) في الأصل ذكر ذلك، والتصويب من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.
(٥) أخرجه أبو داود (السنن، العتق، باب فيمن ملك ذا رحم ح ٣٩٤٩)، والترمذي (السنن، الأحكام، باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرَم ح ١٣٦٥). وقال الترمذي: هذا حديث لا نعرفه مسندًا إلا من حديث حماد بن سلمة … وقد روي عن ابن عمر عن النبي قال: "من ملك ذا رحم فهو حر" رواه ضمرة بن ربيعة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر عن النبي ، ولم يتابع ضمرة على هذا الحديث. وهو حديث خطأ عند أهل الحديث (المصدر السابق).
(٦) سنده صحيح.