للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(قلت): وقد رواه الإمام مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد، عن ابن عباس موقوفًا (١) ورواه الدراوردي، عن ثور، عن عكرمة، عن ابن عباس، وزاد: "وما كان بعد الحولين فليس بشيء" (٢) وهذا أصح.

وقال أبو داود الطيالسي: عن جابر، قال: قال رسول الله : "لا رضاع بعد فصال، ولا يُتم بعد احتلام" (٣)، وتمام الدلالة من هذا الحديث في قوله تعالى: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ﴾ [لقمان: ١٤]، وقال: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين، يروى عن علي وابن عباس وابن مسعود وجابر وأبي هريرة وابن عمر وأُم سلمة وسعيد بن المسيب وعطاء والجمهور، وهو مذهب الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري وأبي يوسف ومحمد ومالك في رواية، وعنه: أن مدته سنتان وشهران، وفي رواية: وثلاثة أشهر. وقال أبو حنيفة: سنتان وستة أشهر. وقال زفر بن الهذيل: ما دام يرضع فإلى ثلاث سنين، وهذا رواية عن الأوزاعي، قال مالك: ولو فطم الصبي دون الحولين، فأرضعته امرأة بعد فصاله، لم يحرم لأنه قد صار بمنزلة الطعام، وهو رواية عن الأوزاعي، وقد روي عن عمر وعلي أنهما قالا: لا رضاع بعد فصال، فيحتمل أنهما أرادا الحولين، كقول الجمهور: سواء فطم أو لم يفطم ويحتمل أنهما أرادا الفعل كقول مالك، والله أعلم.

وقد روي في الصحيحين عن عائشة ، أنها كانت ترى رضاع الكبير يؤثر في التحريم (٤)، وهو قول عطاء بن أبي رباح والليث بن سعد، وكانت عائشة تأمر بمن تختار أن يدخل عليها من الرجال لبعض نسائها، فترضعه، وتحتج في ذلك بحديث سالم مولى أبي حذيفة حيث أمر النبي امرأة أبي حذيفة أن ترضعه وكان كبيرًا، فكان يدخل عليها بتلك الرضاعة، وأبى ذلك سائر أزواج النبي ، ورأين ذلك من الخصائص (٥)، وهو قول الجمهور، وحجة الجمهور وهم الأئمة الأربعة، والفقهاء السبعة، والأكابر من الصحابة، وسائر أزواج رسول الله ، سوى عائشة ما ثبت في الصحيحين عن عائشة أن رسول الله قال: "انظرن مَن إخوانكم فإنما الرضاعة من المجاعة" (٦)، وسيأتي الكلام على مسائل


(١) في الأصل مرفوعًا، والتصويب من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.
(٢) أخرجه الإمام مالك بسنده ومتنه، الموطأ، الرضاع، باب رضاعة الصغير (ح ٤)، وثور لم يلق ابن عباس، والواسطة عكرمة كما في رواية الدراوردي التالية.
(٣) أخرجه أبو داود الطيالسي من طريق حرام بن عثمان عن أبي عتيق عن جابر، وأخرجه عن اليمان أبي حذيفة عن أبي عبس عن جابر (المسند ص ٢٤٣ ح ١٧٦٧) وكلا الطريقين ضعيف بسبب حرام واليمان كلاهما ضعيف. انظر: التقريب ٦١٠، ونصب الراية ٣/ ٢١٩، وللشطر الثاني شواهد يتقوى بها.
(٤) صحيح البخاري، النكاح، باب من قال: لا رضاع بعد حولين (ح ٥١٠٢)، وصحيح مسلم، الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة (ح ١٤٥٥).
(٥) أخرجه مسلم عن ام سلمة كانت تقول: أبى سائر أزواج النبي أن يدخلن عليهن أحدًا بتلك الرضاعة. وقلن لعائشة: والله ما هذه إلا رخصة أرخصها رسول الله لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة (الصحيح، الرضاع، باب رضاعة الكبير ح ١٤٥٤.
(٦) تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق.