للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أي: هذه الشرائع التي شرعها لكم. هي حدود فلا تتجاوزوها، كما ثبت في الحديث الصحيح: "إن الله حدَّ (١) حدودًا فلا تعتدوها، وفرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم محارم فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تسألوا عنها" (٢).

وقد يستدل بهذه الآية من ذهب إلى أن جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة حرام، كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم، وإنما السنة عندهم أن يطلق واحدة لقوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ ثم قال: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ويقوون ذلك بحديث محمود بن لبيد الذي رواه النسائي في سننه حيث قال: حدثنا سليمان بن داود، أخبرنا ابن وهب، عن مخرمة بن بكير، عن أبيه، عن محمود بن لبيد، قال: أخبر رسول الله عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام غضبان ثم قال: "أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟ " حتى قام رجل فقال: يا رسول الله، ألا أقتله (٣)؟ - فيه انقطاع -.

وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ أي: أنه إذا طلق الرجل امرأته طلقة ثالثة بعدما أرسل عليها الطلاق مرتين، فإنها تحرم عليه ﴿حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾ أي: حتى يطأها زوج آخر في نكاح صحيح، فلو وطئها واطئ في غير نكاح ولو في ملك اليمين، لم تحل للأول، لأنه ليس بزوج، وهكذا لو تزوجت ولكن لم يدخل بها الزوج لم تحل للأول، واشتهر بين كثير من الفقهاء عن سعيد بن المسيب أن يقول: يحصل المقصود من تحليلها للأول بمجرد العقد على الثاني، وفي صحته عنه نظر (٤)، على أن الشيخ أبا عمر بن عبد البر قد حكاه عنه في "الاستذكار"، والله أعلم.

وقد قال أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن علقمة بن مرثد، عن سالم بن رزين، عن سالم بن عبد الله، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي ، في الرجل يتزوج المرأة فيطلقها قبل أن يدخل بها ألبتة، فيتزوجها زوج آخر، فيطلقها قبل أن يدخل بها، أترجع إلى الأول؟ قال: "لا، حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها" (٥) هكذا وقع في رواية ابن جرير (٦)، وقد رواه الإمام أحمد فقال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن علقمة بن مرثد، قال: سمعت سالم بن رزين يحدث عن سالم بن عبد الله - يعني: ابن عمر -، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن النبي ، في الرجل


(١) لفظ: "حدَّ" سقط من الأصل واستدرك من (عف) و (حم) و (ح) والتخريج.
(٢) أخرجه الحاكم من حديث أبي ثعلبة الخشني وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ١١٥).
(٣) أخرجه النسائي بسنده ومتنه (السنن، الطلاق، باب الثلاث المجموعة وما فيه من التغليط ٦/ ١٤٢) وحكم الحافظ ابن كثير عليه بالانقطاع.
(٤) يؤيد قول الحافظ ما سيأتي من رواية من طريق سعيد بن المسيب.
(٥) العسيلة: أي الجماع، كما سيأتي في حديث النسائي من حديث عائشة.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده سالم بن رزين مجهول، ويشهد له حديث عائشة المتفق عليه كما سيأتي.