للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٢٩)[الأعراف].

وإذا تقرر هذا فكيف يكون المراد إلا ذرية من قوم موسى وهم بنو إسرائيل ﴿عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ﴾ أي: وأشراف قومهم أن يفتنهم، ولم يكن في بني إسرائيل من يخاف منه أن يفتن عن الإيمان سوى قارون، فإنه كان من قوم موسى، فبغى عليهم لكنه كان طاويًا إلى فرعون متصلًا به متعلقًا بحباله.

ومن قال: إن الضمير في قوله: ﴿وَمَلَئِهِمْ﴾ عائد إلى فرعون وعظم الملك من أجل اتباعه أو بحذف آل فرعون وإقامة المضاف إليه مقامه، فقد أبعد وإن كان ابن جرير قد حكاهما عن بعض النحاة، ومما يدل على أنه لم يكن في بني إسرائيل إلا مؤمن قوله تعالى:

﴿وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦)﴾.

يقول تعالى مخبرًا عن موسى أنه قال لبني إسرائيل: ﴿يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ أي: فإن الله كافٍ من توكل عليه ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ﴾ [الزمر: ٣٦]، ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ [الطلاق: ٣] وكثيرًا ما يقرن الله تعالى بين العبادة والتوكل كقوله تعالى: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ١٢٣] ﴿قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا﴾ [الملك: ٢٩] ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا (٩)[المزمل] وأمر الله تعالى المؤمنين أن يقولوا في كل صلواتهم مرات متعددة: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)[الفاتحة].

وقد امتثل بنو إسرائيل ذلك ﴿فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥)﴾ أي: لا تظفرهم بنا وتسلّطهم علينا، فيظنوا أنهم إنما سلطوا لأنهم على الحق ونحن على الباطل، فيفتنوا بذلك. هكذا رُوي عن أبي مجلز وأبي الضحى (١).

وقال ابن أبي نجيح وغيره، عن مجاهد: لا تعذبنا بأيدي آل فرعون ولا بعذاب من عندك فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق ما عذبوا ولا سلطنا عليهم، فيفُتنوا بنا (٢).

وقال عبد الرزاق: أنبأنا ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ لا تسلطهم علينا فيفتنونا (٣).

وقوله: ﴿وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ﴾ أي: خلّصنا برحمة منك وإحسان ﴿مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ أي: الذين كفروا الحق وستروه ونحن قد آمنا بك وتوكلنا عليك.


(١) قول أبي مجلز أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق عمران بن حدير عنه، وقول أبي الضحى أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق سفيان الثوري عن أبيه عنه.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح به.
(٣) أخرجه الطبري من طريق عبد الرزاق به، وسنده صحيح.