للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)﴾.

هذا استثناء من ضرب مدة التأجيل بأربعة أشهر لمن له عهد مطلق ليس بمؤقت، فأجله أربعة أشهر يسيح في الأرض يذهب فيها لينجو بنفسه حيث شاء، إلا من له عهد مؤقت فأجله إلى مدته المضروبة التي عوهد عليها، وقد تقدمت الأحاديث ومن كان له عهد مع رسول الله فعهده إلى مدته (١)، وذلك بشرط أن لا ينقض المعاهد عهده، ولم يظاهر على المسلمين أحدًا أي: يمالئ عليهم مَن سواهم، فهذا الذي يوفى له بذمته وعهده إلى مدته، ولهذا حرض تعالى على الوفاء بذلك، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ أي: الموفين بعهدهم.

﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.

اختلف المفسرون في المراد بالأشهر الحرم ههنا ما هي؟

فذهب ابن جرير إلى أنها المذكورة في قوله تعالى: ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ الآية [التوبة: ٣٦]. قاله أبو جعفر الباقر (٢)، ولكن قال ابن جرير: آخر الأشهر الحرم في حقهم المحرم، وهذا الذي ذهب إليه حكاه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (٣) وإليه ذهب الضحاك (٤) أيضًا وفيه نظر.

والذي يظهر من حيث السياق ما ذهب إليه ابن عباس في رواية العوفي (٥) عنه، وبه قال مجاهد وعمرو بن شعيب ومحمد بن إسحاق وقتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم: أن المراد بها أشهر التسيير الأربعة المنصوص عليها بقوله: ﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ [التوبة: ٢] (٦) ثم قال: ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ أي: إذا انقضت الأشهر الأربعة [التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها، فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم؛ لأن عود العهد على مذكور أولى من مقدر، ثم إن الأشهر الأربعة المحرمة] (٧) سيأتي بيان حكمها في آية أخرى بعد في هذه السورة الكريمة.

وقوله: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ أي: من الأرض وهذا عام، والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم، بقوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ﴾ [البقرة: ١٩١].


(١) تقدمت في الآية السابقة.
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم بسند جيد من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أبي جعفر الباقر مصرحًا بأسماء الأشهر.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم بسند ضعيف من طريق جويبر عن الضحاك.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بالآثار التالية.
(٦) قول قتادة والسدي وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه الطبري بأسانيد ثابتة عنهم، وقول مجاهد وعمرو بن شعيب، أخرجه الطبري بسند ضعيف.
(٧) ما بين معقوفين سقط من الأصل واستدرك من (عم) و (حم) و (مح).