للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سعيد بن المهاجر، عن المقدام أبي كريمة، عن النَّبِيّ أنه قال: "أيما مسلم ضاف قومًا فأصبح الضيف محرومًا، فإن حقًّا على كل مسلم نصره حتَّى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله" (١). تفرد به أحمد من هذا الوجه.

وقال أحمد أيضًا: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد، عن شعبة، عن منصور، عن الشعبي، عن المقدام أبي كريمة، سمع رسول الله يقول: "ليلة الضيف واجبة على كل مسلم، فإن أصبح بقنائه محرومًا كان دينًا عليه، فإن شاء اقتضاه وإن شاء تركه" (٢). ثم رواه أيضًا عن غندر، عن شعبة، وعن زياد بن عبد الله البكائي، وعن وكيع وأبي نعيم، عن سفيان الثوري، ثلاثتهم عن منصور به، وكذا رواه أبو داود من حديث أبي عوانة عن منصور به (٣).

ومن هذه الأحاديث وأمثالها، ذهب أحمد وغيره إلى وجوب الضيافة، ومن هذا القبيل الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار: حَدَّثَنَا عمرو بن علي، حَدَّثَنَا صفوان بن عيسى، حَدَّثَنَا محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رجلًا أتى النَّبِيّ ، فقال: إن لي جارًا يؤذيني، فقال له: "أخرج متاعك فضعه على الطريق"، فأخذ الرجل متاعه فطرحه على الطريق، فكل من مر به قال: ما لك؟ قال: جاري يؤذيني، فيقول: اللهم العنه، اللهم اخزه، قال: فقال الرجل: ارجع إلى منزلك، واللّه لا أوذيك أبدًا (٤)، وقد رواه أبو داود في كتاب الأدب عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن سليمان بن حيان أبي خالد الأحمر، عن محمد بن عجلان به (٥)، ثم قال البزار: لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، ورواه أبو جحيفة وهب بن عبد الله، عن النَّبِيّ ، ويوسف بن عبد الله بن سلام، عن النَّبِيّ (٦).

وقوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا (١٤٩)﴾ أي: إن تظهروا أيها الناس خيرًا أو أخفيتموه أو عفوتم عمن أساء إليكم، فإن ذلك مما يقربكم عند الله ويجزل ثوابكم لديه، فإن من صفاته تعالى أن يعفو عن عباده مع قدرته على عقابهم، ولهذا قال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا﴾، ولهذا ورد في الأثر أن حملة العرش يسبحون الله، فيقول بعضهم: سبحانك على حلمك بعد علمك، ويقول بعضهم: سبحانك على عفوك بعد قدرتك، وفي الحديث


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ١٣٣)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير (٥/ ١٠٨).
(٢) أخرجه الإمام بسنده ومتنه (المسند ٤/ ١٣٠)، وأخرجه أبو داود من طريق منصور به (السنن، الأطعمة، باب ما جاء في الضيافة ح ٣٧٥٠)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٧٥٠).
(٣) المسند ٤/ ١٣٠ - ١٣٣، وسنن أبي داود، الحديث السابق (ح ٣٧٥٠).
(٤) أخرجه البخاري من طريق صفوان بن عيسى به (الأدب المفرد ح ١٢٤)، ومن الطريق نفسه أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ١٦٥)، وقال الألباني: حسن صحيح (صحيح الأدب المفرد ح ٩٢).
(٥) السنن، الأدب، باب حق الجوار (ح ٥١٥٣). وقال الألباني أيضًا: حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٤٢٩٢).
(٦) أخرجه البزار (كما في كشف الأستار ح ١٩٠٣) قال الهيثمي: فيه أبو عمر المنيهي تفرد عنه شريك (مجمع الزوائد ٨/ ١٧٣)، ويشهد له ما تقدم عن أبي هريرة وقد أخرجه الحاكم أيضًا من طريق أبي عمر به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ١٦٦).