للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن إسحاق: حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كان الذين حَزّبوا الأحراب من قريش وغطفان وبني قريظة حي بن أخطب وسلام بن أبي الحقيق أبو رافع والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق وأبو عمار ووحوح بن عامر وهوذة بن قيس فأمّا وحوح وأبو عمار وهوْذة فمن بني وائل، وكان سائرهم من بني النضير، فلما قدموا على قريش قالوا: هؤلاء أحبار يهود وأهل العلم بالكتب الأول فاسألوهم أدينكم خير أم دين محمد؟ فسألوهم فقالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أهدى منه وممن اتبعه، فأنزل الله ﷿: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢)﴾ إلى قوله: ﴿وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٥٤] (١).

وهذا لعن لهم وإخبار بأنهم لا ناصر لهم في الدنيا ولا في الآخرة لأنهم إنما ذهبوا يستنصرون بالمشركين، وإنما قالوا لهم ذلك، ليستميلوهم إلى نصرتهم، وقد أجابوهم وجاءوا معهم يوم الأحزاب حتى حفر النبي وأصحابه حول المدينة الخندق، فكفى الله شرهم ﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥)[الأحزاب: ٢٥].

﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (٥٥)﴾.

يقول تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ﴾، وهذا استفهام إنكاري؛ أي: ليس لهم نصيب من الملك ثم وصفهم بالبخل، فقال: ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ أي: لأنهم لو كان لهم نصيب في الملك والتصرف لما أعطوا أحدًا من الناس ولا سيما محمدًا شيئًا، ولا ما يملأ النقير وهو النقطة التي في النواة في قول ابن عباس (٢) والأكثيرين.

وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ﴾ [الإسراء: ١٠٠] أي: خوف أن يذهب ما بأيديكم مع أنه لا يتصور نفاده وإنما هو من بخلكم وشحكم، ولهذا قال تعالى: ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٠] أي: بخيلًا،

ثم قال: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ يعني: بذلك حسدهم النبي على ما رزقه الله من النبوة العظيمة، ومنعهم من تصديقهم إياه حسدهم له، لكونه من العرب وليس من بني إسرائيل.

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثنا يحيى الحماني، حدثنا قيس بن الربيع، عن السدي، عن عطاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾، قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس، قال الله تعالى: ﴿فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ


(١) أخرجه ابن إسحاق في سيرته (كما في سيرة ابن هشام ٣/ ١٠٢٤)، وأخرجه الطبري من طريق ابن إسحاق به ونسبه السيوطي إلى ابن إسحاق والطبري (الدر المنثور ٢/ ١٧٢) وسنده حسن، وقد فصلت دراسة هذا الإسناد في مقدمة التفسير الصحيح.
(٢) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وذكر ابن أبي حاتم خمسة من المفسرين الذين رووه بنحوه.