للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إبراهيم، عن معبد الجهني، قال: كان معاوية قلما يحدث عن النبي قال: وكان قلما يكاد أن يدع يوم الجمعة هؤلاء الكلمات أن يحدث بهن عن النبي يقول: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، وإن هذا المال حلو خضر، فمن يأخذه بحقه يبارك له فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح" (١)، وروى ابن ماجه منه: "إياكم والتمادح فإنه الذبح" عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن غندر، عن شعبة به (٢)، ومعبد هذا هو ابن عبد الله بن عُليم البصري القدري.

وقال ابن جرير: حدثنا يحيى بن إبراهيم المسعودي، حدثنا أبي، عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال: قال عبد الله بن مسعود: إن الرجل ليغدو بدينه ثم يرجع وما معه منه شيء، يلقى الرجل ليس يملك له نفعًا ولا ضرًا، فيقول له: إنك والله [كيت] (٣) وكيت، فلعله أن يرجع ولم يَحْل من حاجته بشيء، وقد أسخط الله، ثم قرأ ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ … ﴾ الآية (٤). وسيأتي الكلام على ذلك مطولًا عند قوله تعالى: ﴿فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى﴾ ولهذا قال تعالى: ﴿بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ﴾ أي: المرجع في ذلك إلى الله ﷿ لأنه أعلم بحقائق الأمور وغوامضها.

ثم قال تعالى: ﴿وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا﴾ أي: ولا يترك لأحد من الأجر ما يوازن مقدار الفتيل، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والحسن وقتادة وغير واحد من السلف: هو ما يكون في شق النواة (٥). وعن ابن عباس أيضًا: هو ما فتلت بين أصابعك (٦). وكلا القولين متقارب.

وقوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ أي: في تزكيتهم أنفسهم ودعواهم أنهم أبناء الله وأحباؤه، وقولهم: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١]، وقولهم: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ [آل عمران: ٢٤] واتكالهم على أعمال آبائهم الصالحة، وقد حكم الله أن أعمال الآباء لا تجزي عن الأبناء شيئًا في قوله: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة]، قال: ﴿وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا﴾ أي: وكفى بصنيعهم هذا كذبًا وافتراء ظاهرًا.

وقوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ﴾ أما الجبت، فقال محمد بن إسحاق، عن حسان بن فائد، عن عمر بن الخطاب أنه قال: الجبت السحر، والطاغوت الشيطان (٧).


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٩٣) وسنده حسن.
(٢) أخرجه ابن ماجه (السنن، الأدب، باب المدح ح ٣٧٤٣)، وحسنه البوصيري في مصباح الزجاجة (٣/ ١٨١)، والألباني في السلسلة الصحيحة (ح ١٢٨٤).
(٣) كذا في (حم) و (مح) وتفسير الطبري، وفي الأصل: "كذبت" وهو تصحيف.
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وأخرجه الحاكم من طريق قيس بن مسلم به وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٤/ ٤٣٧).
(٥) قول ابن عباس أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق علي بن أبي طلحة عنه، وبقية الآثار ذكرها ابن أبي حاتم بحذف السند، وأخرج بعضها عبد الرزاق والطبري بأسانيد صحيحة.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم بسند صحيح من طريق مجاهد عنه بنحوه.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق به، وأخرجه البخاري معلقًا عن عمر (الصحيح، تفسير سورة =