للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الآية التي في سورة تنزيل مشروطة بالتوبة، فمن تاب من أي ذنب وإن تكرر منه، تاب الله عليه، ولهذا قال: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾ [الزمر: ٥٣] أي بشرط التوبة، ولو لم يكن كذلك لدخل الشرك فيه، ولا يصح ذلك لأنه تعالى قد حتم ههنا بأنه لا يغفر الشرك، وحكم بأنه يغفر ما عداه لمن يشاء، أي: وإن لم يتب صاحبه فهذه أرجى من تلك من هذا الوجه، والله أعلم. وقوله: ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾ كقوله: ﴿إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ﴾ [لقمان: ١٣]، وثبت في الصحيحين عن ابن مسعود أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي: الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندًا وهو خلقك … " وذكر تمام الحديث (١)، وقال ابن مردويه: حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زيد، حدثنا أحمد بن عمرو، حدثنا إبراهيم بن المنذر، حدثنا معن، حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن عمران بن حصين: أن رسول الله قال: "أخبركم بأكبر الكبائر الشرك بالله" ثم قرأ ﴿وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾، وعقوق الوالدين، ثم قرأ ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: ١٤] (٢).

﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا (٥١) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (٥٢)﴾.

قال الحسن وقتادة: نزلت هذه الآية وهي قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ في اليهود والنصارى حين قالوا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] (٣).

وقال ابن زيد: نزلت في قولهم: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾، وفي قولهم: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١١١] (٤).

وقال مجاهد: كانوا يقدمون الصبيان أمامهم في الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنب لهم، وكذا قال عكرمة وأبو مالك، وروى ذلك ابن جرير (٥).


= لكن لم يصرح باسم شيخه، وفي سنديهما مجبر مسكوت عنه (تعجيل المنفعة ص ٣٩٣، والإكمال لابن ماكولا ٧/ ٢٠٨، والمشتبه للذهبي ٢/ ٥٧١)، وقد حسّن روايته أحمد شاكر لأنه تابعي، كما في تعليقه على تفسير الطبري.
(١) تقدم تخريجه في سورة البقرة آية ٢٢.
(٢) في سنده سعيد بن بشير وهو ضعيف كما في التقريب، والحسن البصري اختلف في سماعه من عمران (جامع التحصيل ص ١٩٧).
(٣) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول الحسن أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق معمر عنه، وهذان المرسلان يقوي أحدهما الآخر.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عنه، وهو معضل ويتقوى بالمرسلين السابقين.
(٥) قول مجاهد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقول عكرمة وأبي مالك أخرجهما الطبري بسندين فيهما سفيان بن وكيع وهو ضعيف ويتقوى بسابقه.