للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والحاصل أنه يلزمه التصدق أو نحوه فيما علق على ملكه قل أو كثر، أتى على الجميع أم لا، لفظ بجميع أم لا، كان مما يهدى أم لا، ويجري حينئذ على ما تقدم فيما يصح هديه وما لا يصح هديه.

وأصل هذه المسألة ما رواه مسلم في المرأة الأنصارية التي أسرت، وكانت العضباء ناقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذها الرب الذين أسروا المرأة، فهربت المرأة على العضباء ونذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بيس ما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد (١)). قال القرطبي: ظاهر هذه الكلمة يدل على أن الذي صدر من هذه المرأة نذر معصية؛ لأنها التزمت أن تهلك مال الغير فتكون عاصية بهذا القصد، وهذا ليس بصحيح لأن المرأة لم يتقدم لها من النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان تحريم ذلك ولم تقصد ذلك، وإنما معنى ذلك -والله أعلم- أن من قدم على ذلك بعد التقدم إليه وبيان أن ذلك محرم كان عاصيا بذلك القصد، ولا يدخل في ذلك المعلق على الملك، كقوله إن ملكت هذا البعير فهو هدي أو صدقة؛ لأن ذلك الفعل معلق على ملكه لا ملك غيره. انتهى. وهذا يدل على أن حلف الإنسان بملك الغير محرم.

واختلفت العلماء فيما إذا علق العتق أو الهدي أو الصدقة على الملك، مثل أن يقول إن ملكت عبد فلان فهو حر، فلم يلزمه الشافعي شيئا من ذلك عم أو خص تمسكا بهذا الحديث، وألزمه أبو حنيفة كل شيء من ذلك عم أو خص؛ لأنه من باب العقود المأمور بالوفاء بها، ووافق أبا حنيفة مالك فيما إذا خص شيئا تمسكا بمثل ما تمسك به أبو حنيفة، وخالفه فيما إذا عم رفعا للحرج الذي أدخله على نفسه، ولمالك قول آخر مثل قول الشافعي. قاله الحطاب. وقد مر أنه إن ملك مال الغير لزمه التصدق بجميعه حيث علق الصدقة على ملكه، فليس كنذره جميع مال نفسه؛ لأن الذي نذر مال الغير قد أبقى مال نفسه لنفسه، فنذره مال الغير كنذر ثلث ماله أو جميع


(١) صحيح مسلم، كتاب النذر، رقم الحديث ١٦٤١.