للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الإسماع للوعظ، وعدل عن أن يقول: وجهر بهما؛ لأن الجهر بهما بقدر الإسماع واجب، والمندوب هو رفع الصوت بهما، وأما إسرارهما فكعدمهما.

وإنما ندب رفع الصوت بهما لخبر: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته (١))، ولذا يستحب كونه على منبر، وقال تاج الدين بهرام عند قوله: "ورفع صوته": يريد للإسماع، قال ابن شاس: ولذا استحب المنابر لأنها أبلغ في الإسماع، ألا ترى أنه لو خطب بالأرض جاز؟ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، وأنكر ابن عرفة قول ابن هارون، قالوا: إن أسرها حتى لم يسمعه أحد أجزأت. انتهى.

وأول من اتخذ المنبر من غير الخلفاء: عمرو بن العاص لما بنى جامعه بمصر، كتب إليه عمر: أما بعد فقد بلغني عنك أنك اتخذت منبرا ترقى فيه على رقاب المسلمين، أما يكفيك أن تقوم قائما والمسلمون تحت عقبيك، فعزمت عليك لما كسرته فكسره. وانظر أمره له بكسره مع أنه صلى الله عليه وسلم خطب على المنبر. قاله التتائي.

(وكان منبره عليه الصلاة والسلام من خشب من أثل الغابة، كما في البخاري ومسلم (٢)). والأثل بسكون المثلثة، وفي المواهب: لم يثبت أنه كان من طين، وكان ثلاث درجات، وخطب أبو بكر بعده صلى الله عليه وسلم على الدرجة الثانية أدبا معه عليه الصلاة والسلام، ثم عمر على الأخيرة القريبة للأرض ثم عثمان على التي كان يقف عليها الصديق، ورقى علي على التي كان يقف عليها النبي صلى الله عليه وسلم.

والذي صنع منبره عليه الصلاد والسلام؛ هو ياقوت النجار القبطي، صنعه من طرفاء، وقيل: ميمون، وقيل: قبيصة، وقيل: تميم الداري، (وكان عليه الصلاة والسلام يخطب إلى جذع: فلما


(١) مسلم، كتاب الجمعة، رقم الحديث: ٨٦٧.
(٢) البخاري، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٣٧٧. مسلم كتاب المساجد، رقم الحديث: ٥٤٤.